Author

فساد السلع والمستهلك

|
منتصف القرن الماضي وما بعده شهد انهيارا في أخلاق التجارة، والصناعة بصنع وبيع سلع رخيصة، تعيش لعمر قصير من أجل دورة رأس المال، ومع هذا الاتجاه التجاري بقبول سلع متوسطة الجودة أو رديئة، انهارت فِكَر كثيرة مثل ضمان الوكيل، فالبائع والمشتري يعرفان أن السلعة لم تعد معمرة، وكثيرون تقبلوا ذلك رغم أنه فتح باب الغش وأفسد ما عرف بأخلاق القرية التجارية التي تقوم على خلق متفق عليه وغير مكتوب. لزمن طويل ارتبطت فكرة احتكار السلع بظروف الحروب القديمة، فكان يوجد من يخزن سلعا، ويبيعها بأغلى الأسعار بعد الأزمات، لكن التجار لم يعدموا عبر العصور ابتكار وسائل للاحتكار؛ وأبشع هذه الاحتكارات ارتبط بأسلوب الوكالات التجارية، التي يعطيها المصنع أو التاجر المصدر امتياز السلعة بحجة خدمتها بعد البيع، وتسهيل تعاملات المصنع أو المصدر، لكن الوكيل أيضا يجاوز في التسعير بحجة أنه صانع تسهيلات، وقد يتفق مستوردون لسلعة واحدة على تثبيت التسعير بينهم؛ كما يحدث في بلادنا كثيرا، حيث الأسعار في الغالب ليست خاضعة للتسعير العالمي، بقدر ما هي خاضعة لمستوى جشع الوكيل المستورد الذي يقرر السعر كما يريد. الوكيل التجاري نظام قديم تجاوزه العصر باتصالاته، ومواصلاته، فقد عبر الناس الحدود التجارية، وصاروا يسافرون ويشترون ثم صاروا يتصلون فقط ويشترون، ثم صار الأفراد، وليس التجار، يتواصلون بيسر عبر بيع الجملة والمفرق، وكأي أثر بقي الوكيل التجاري هو الوكيل متحكما في سلعته لمن يحتاج إليه. الجديد أننا بدأنا نرى أكثر من وكيل للسلعة الواحدة، لكن الشركة تطلب أن يبقى الوكيل ويصطف معه الموزعون لكي يحظوا بخدمة ما بعد البيع، فالشركات العالمية تريد من تعرف وتتعامل معه لترويج سلعها، لكن الوكيل في الغالب تجاوز الشركة لمصالحه وخلق حالة من الاحتكار لتعزيز قوته، وإن لم يستطع فبمشاركة أقوياء، وكان هناك مبرر لهذا الاحتكار هو خدمة السلع بتوفير صيانتها وقطع غيارها، فهل بقي الوضع بالصورة نفسها التي عرفناها بكمالها بعد الحرب العالمية الثانية في مطلع القرن الماضي؟ بدأ انتشار السلع غير الجيدة منذ الثمانينات، بدأ الناس يرون في السوق سلعا استهلاكية غير معمرة رخيصة الثمن (مشي حالك)، وهي غير السلع المغشوشة، لكنها فكرة تجارية لتشجيع الاستهلاك ودوران رأس المال، هذه السلع التي لا تعمر لأنها صنعت لعمر قصير، ثم تذهب لمكب النفايات هي معظمها لسلع، والأثاث الذي نراه في المعارض الكبيرة، ولها زبون يقول إنه لا يريد غسالة أو ثلاجة للعمر كله بل لسنة أو سنتين بالكثير.
إنشرها