Author

هل نصدق «كورونا» أم نصدق بيانات وزارة الصحة؟

|
شُخّص فيروس كورونا الجديد على أنه فيروس غامض ونادر من عائلة "كورونا فيروس"، وتبدأ أعراض هذا الفيروس بسيطة كأعراض الإنفلونزا، حيث يشعر المريض بالاحتقان في الحلق، والسعال وارتفاع في درجة الحرارة، وضيق في التنفس، وصداع، قد يتماثل بعدها للشفاء. وربما تتطور الأعراض إلى التهاب حاد في الرئة، بسبب تلف الحويصلات الهوائية وتورم أنسجة الرئة، أو إلى فشلٍ كلوي، كما قد يمنع الفيروس وصول الأكسجين إلى الدم مسبباً قصوراً في وظائف أعضاء الجسم، ما قد يؤدي إلى الوفاة في حالات معينة. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت سابقاً أن الفيروس الغامض الجديد ينتمي إلى عائلة كورونا التي ينتمي إليها فيروس "سارس"، إلا أن الفرق بين الاثنين يكمن في أن سارس، عدا كونه يصيب الجهاز التنفسي، فإنه قد يتسبب في التهاب في المعدة والأمعاء، أما الفيروس الجديد فيختلف عن سارس في أنه يسبب التهاباً حاداً في الجهاز التنفسي، ويؤدي بسرعة إلى الفشل الكلوي. أما مسببات مرض كورونا فقد تضاربت الأنباء، فالبعض يتهم الإبل ويرى أنها السبب الرئيس لانتشار المرض وينادي بحرق كل الإبل الموجودة في الكرة الأرضية، بينما آخرون يرون الفئران هي السبب كما فعلت من قبل في انتشار مرض الطاعون، صنف ثالث يتهمون شركات أدوية عالمية تصنع المرض والعلاج في آن واحد ثم تنشر المرض وبعد حين من الوقت تدعي أنها توصلت لعلاج مناسب ولقاح مضاد فتتسابق الدول لشراء العلاج من مصدر المرض. وهذا ليس مقتصرا على كورونا، بل على جميع الفيروسات التي انتشرت في الآونة الأخيرة كإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير وغيرهما. ونحن لا نكذب ولا نصدق مثل هذه القصص لأن ليس لدينا حقائق تدعم مثل هذا الاتهام. ونتيجة لعدم الوضوح هذا ولتضارب الأنباء ولخلو الساحة من مصادر موثقة، تظل وسائل الإعلام تصول وتجول وتشرق وتغرب بحقائق وبأنصاف حقائق وبأكاذيب أحيانا، وهذا شيء طبيعي، لأن الجهات الرسمية ذات العلاقة بعيدة عن الميدان ولم نر لها موقفا جادا وقويا، بل تصريحات خجولة تظهر لنا ما بين الوقت والآخر وقد تأتي متأخرة أحيانا أخرى. من المؤسف حقا أن نقول إن دور الجهات الرسمية ذات العلاقة في بلادنا وفي مقدمتها وزارة الصحة ما زال دون المستوى المطلوب، وهي بالفعل غائبة عما يحدث، فتجد البيانات متباينة والتصريحات مختلفة، ولا ندري هل الوزارة غير مدركة لهول الفادحة، أم أن لديها معلومات مطمئنة لكنها ترى أن مشاطرة المواطنين غير مجدية، لكون المرض لم يبلغ حد الوباء ويمكن أن يقضى عليه، وأنه بالفعل تحت السيطرة. والذي يدل على هذا ما قام به وزير الصحة شخصيا مطلع هذا الأسبوع حينما دخل على أحد المرضى المصابين بكورونا وقام بالحديث معه دون حجاب وطمأنه بأن الوزارة بكل طاقمها معه، ومثل هذا التصرف من وزير الصحة يعطي المواطنين مؤشرات عدة، منها أن المرض ليس بالخطورة التي يتوقعها الناس، فوزير الصحة بنفسه يتحدث مع مريض كورونا مباشرة دون احتياطات أو كمامات، ونحن نعرف عن المرض أنه ينتقل بسرعة وأن هناك احتياطات ينبغي للناس أخذها حتى إن كانوا بعيدين عن التجمعات ومصدر المرض، فكيف نجمع بين تصرف الوزير وبين ما نسمعه عن المرض؟ نعود للموضوع فنقول إننا كنا نتوقع من وزارة الصحة أن تقف معنا وأن تأخذ الموضوع بجدية وأن توضح للمواطنين خطورة المرض من عدمها، مدعمة تصريحاتها بإحصائيات دقيقة ذات مصداقية عالية، فليس من الحكمة إخفاء الحقائق عن الناس، فترك الموضوع بهذا الشكل سيترك المجال خصبا للشائعات والأكاذيب وتضخيم الأمر أو عرضه دون حقيقته. كان ينبغي على وزارة الصحة بعد أن تبين الحقيقة للناس، أن تقوم بعدة طرق وقائية وعلاجية، منها تنظيم ورش عمل في المدارس والجامعات والأسواق وأماكن التجمعات وعبر وسائل الإعلام، تبين فيها خطورة المرض والطرق الواجب اتباعها لتفادي الإصابة به. أما المصابون بالمرض فمن الواجب عزلهم في مستشفيات خاصة وعزلهم حتى عن ذويهم، فنحن نلاحظ في بعض المستشفيات أن مرضى كورونا يخالطون المرضى العاديين وتتم زيارتهم من قبل أقاربهم والسلام عليهم والحديث إليهم ومخالطتهم، بل تتولى أسرة المريض تقديم بعض المهام التمريضية لمريضهم. لذا أرى أنه يجب حصر ذوي المرضى وعدم السماح لهم بمغادرة المستشفى حتى يتم التأكد من خلوهم من المرض. كما لا يقتصر الاهتمام فقط على المرضى وذويهم، بل حتى الطاقم الطبي والتمريضي والإداري في المستشفيات فيتم تأمينهم بالاحتياطات الوقائية، ومن ذلك صرف البدلات اللازمة لهم لتشجيعهم حتى يؤدوا مهمتهم. وإذا كان الأمر يصعب على وزارة الصحة فلا داعي للمكابرة ولا يمنع ألبتة من أن تستعين بمثيلاتها حول العالم، فهناك دول ومنها متقدمة تعلن حالة الطوارئ عندما تواجه كوارث طبيعية أو وباء، وآخرها النداء الذي صرخت به أستراليا العام الماضي عندما طلبت مساعدة دول العالم حينما كاد الحريق في بعض مناطقها أن يتسبب في دمار تاريخي، ولقد رأينا أحد المسؤولين الأستراليين وهو يطلب النجدة من المجتمع الدولي وعيناه تذرفان الدموع عجزا عن مواجهة الكارثة. يجب ألا ننتظر حتى تحدث الكارثة، وعلى مؤسسات الدولة المعنية بالأمر وفي مقدمتها وزارة الصحة أن تكون على مستوى الحدث، فإحصائيات الوزارة لا تعكس الواقع، والبيانات في موقع الوزارة لا تشفي صدور المواطنين، ولا ندري هل نصدق المرض أم نصدق بيانات الوزارة؟
إنشرها