العالم

علاقة «الأسد» بالحركات الإرهابية قديمة .. تجددت بعد حرب العراق

علاقة «الأسد» بالحركات الإرهابية قديمة .. تجددت بعد حرب العراق

منذ بداية الأحداث في سورية، أكد أعضاء نظام الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه الإقليميون على الدور الذي يلعبه الإرهابيون المدعومون من الأجانب والجهاديون المتطرفون في الثورة. لكن العداوة بين الأسد والجهاديين لا تبدو واضحة جداً أو محددة المعالم، فقد تعامل النظام بشكل مباشر أو غير مباشر لسنوات مع الجهاديين، سواء كان ذلك في العراق أو لبنان. نفى الأسد في عدة مقابلات مع وسائل الإعلام العالمية وجود احتجاجات في سورية، وقال إن السبب في عدم الاستقرار هو وجود مؤامرة. وقد اتهم الغربَ وكذلك تركيا ودول الخليج برعاية وتمويل الجهاديين العنيفين، وهو الذي كان في البداية سببه قمع المتظاهرين الهائل والخطاب الطائفي الذي استفاد منه الكثيرون من أصدقاء النظام، إضافة إلى زيادة التطرف في الشارع. يقول بيتر نويمان، البروفيسور في الدراسات الأمنية في كلية كينغز Kings في لندن، الذي يرأس حالياً مشروع بحث خاص بالصراع السوري ومستقبل الحركة الجهادية العالمية: "يمكن القول إن سورية أصبحت اليوم بشكل عام - وهو الصحيح - حاضنة لعودة القاعدة من جديد، ومكاناً جذاباً لتجنيد الجهاديين، وهي التي تقدم الشبكات والمهارات والدوافع اللازمة لتخريج جيل جديد من الإرهابيين". استخدمت عائلة الأسد لسنوات طويلة، مدعومة بخدمات مخابراتها، الجهاديين في لعبتها الإقليمية. وحسب أقوال المحللة إليزابيث أوباجي، في دراستها "الجهاد في سورية"، فإن للأسد سجلاً طويلاً وثابتاً من العمل مع المنظمات الإرهابية داخل سورية لتحقيق مجموعة من الأهداف، منها ضمان بقاء النظام عن طريق استخدام العنف الموجه للخارج. كما أضاف نويمان "أن ذلك استمر لدرجة أن الأسد أصبح يقاتل عدواً ساعد في خلقه بنفسه". بدأ الجهاديون السلفيون بتثبيت أقدامهم ببطء في سورية، منذ اختفاء الهياكل التنظيمية للإخوان المسلمين في عام 1982، بعد المذبحة التي جرت في مدينة حماة. وقال نويمان: "في أواخر عام 1999 أدى كمين نصبه الجهاديون إلى صدامات استمرت أربعة أيام تبعتها إجراءات صارمة في أنحاء البلاد نتج عنها إلقاء القبض على 1200 مشتبه به من المسلحين ومؤيديهم. وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عرض بشار مساعدة حكومته في الحرب على الإرهاب. وعلى الرغم من الحذر من دوافع هذه المساعدة، إلا أن إدارة بوش وافقت على التعاون، حيث كانت ترسل إلى سورية الأشخاص المشتبه بأنهم من الجهاديين من ذوي القيمة العالية حتى عام 2005". وبعد ذلك قررت الحكومة السورية اختراق شبكات الجهاديين لتحويل أعضائها إلى متعاونين، وأضاف نويمان بأن ذلك التكتيك استخدم أيضاً ضد جماعة الإخوان المسلمين في السبعينيات والثمانينيات. يقول آرون لوند، محرر موقع "سورية في أزمة" على موقع مؤسس كارنيجي للسلام العالمي للدراسات: "أنا متأكد من أنهم حاولوا اختراق شبكات الجهاديين في ذلك الوقت، بل إن المسؤولين السوريين كانوا يتبجحون حول محاولتهم القيام بذلك. وما الذي يمنعهم من التفاخر بذلك؟ فقد حاولت العديد من الحكومات اختراق الشبكات الجهادية للتحقق من عملها وإعاقته، وكانت الحكومة السورية بالطبع في أفضل موقع لعمل ذلك مقارنة بغيرها من الدول، لأن أغلبية البُنى التحتية للجهاديين تمر من الأراضي السورية". عندما اجتاح الأمريكيون العراق في عام 2003 شجب السلفيون الجهاديون احتلال "أرض المسلمين" ودعوا إلى حمل السلاح. يضيف نويمان معلقاً على ذلك بأن "الأسد وقادة مخابراته قرروا تبني سياسية جريئة وجديدة، وهي تشجيع السلفيين بدلاً من إثارة غضبهم". كان أسهل حل لإبعاد التهديد عن نظام الأسد هو إرسال الجهاديين إلى العراق. يقول لوند: "يبدو أن المخابرات السورية سمحت آنذاك لبعض الشخصيات العراقية على الأقل بالعمل تحت حماية أمنية في سورية. كان أغلبية هؤلاء على الأرجح بعثيون وبعض الفصائل الشيعية من أمثال مجموعة مقتدى الصدر، وربما أيضاً كانوا أفراداً من الذين عملوا مع الجهاديين أو الذين ساعدوهم بالسلاح والمال". ولكن نويمان يركز على نقطة مهمة وهي أن سورية أصبحت النقطة الرئيسة لدخول الجهاديين الأجانب الذين يأملون في الانضمام إلى التمرد في العراق مع تعاون خدمات مخابرات الأسد في تنشيط من يتعاون مع الجهاديين. وقد ذكر غيث عبد الأحد في مقالة نشرت في صحيفة الجارديان في عام 2005 بأنه نُقل عن الجهادي أبو إبراهيم قوله إن الحكومة السورية شجعت الدعوة للجهاد بشكل علني. ويقول عبد الأحد إن المخابرات السورية أيضاً "عملت على تجهيز حافلات لنقل المقاتلين وسرعت من إصدار الوثائق لهم وحتى قدمت للجهاديين المقبلين خصومات على رسوم الجوازات، وكان من أبرز هؤلاء أبو القعقاع، رجل الدين السلفي الجهادي من حلب". وحسب أقوال عبد الأحد، كانت مجموعة القعقاع تنظم في عام 2002 "مهرجانات" مناهضة للأمريكيين مرتين في الأسبوع يحضرها مسؤولون ورؤساء أمنيون ومستشارون للرئيس السوري. كما يعتقد بأن أبو القعقاع زود أبو مصعب الزرقاوي التابع لمنظمة القاعدة في العراق ببعض الجهاديين المجندين في سورية. يقول لوند: "يدعي نقاد النظام السوري بأن النظام هو الذي سمح للمقاتلين الأجانب بالسفر للعراق، ونحن نعرف بأن هؤلاء كانوا ينضمون عادة إلى مجموعة الزرقاوي". وحسب ما يقوله نويمان، كان السوريون في عام 2003 يشكلون أكبر مجموعة من الألوية المقاتلة الأجنبية في التمرد "الصاعد" في العراق. وإضافة إلى ذلك، عندما قتل القعقاع في عام 2007 حضر جنازته عدد من أعضاء البرلمان السوري جنباً إلى جنب مع آلاف الإسلاميين. ويقول نويمان في تقريره إنه كان يوجد في ذلك الحين مخازن للأسلحة وعدة بيوت آمنة في دمشق واللاذقية ودير الزور ومدن سورية رئيسة أخرى. وعمل مساعدون عن قرب مع القبائل المحاذية للحدود العراقية لتهريب الجهاديين من الدول العربية. وفي عام 2007 قدرت الحكومة الأمريكية أن 90 في المائة من المفجرين الانتحاريين في العراق كانوا أجانب، وأن نسبة 85 - 90 في المائة من المقاتلين الأجانب دخلوا من خلال سورية. ويقول نويمان: "أصبحت شبكات الجهاديين في الأساس امتداداً لأولئك العاملين في العراق وعملت دون دعم نشط من حكومة الأسد، على الرغم من المعرفة الأكيدة لهذه الحكومة بهذه الأنشطة". وفي كانون الثاني (يناير) من عام 2004 تعرضت سورية لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة لوقف مرور الجهاديين إلى العراق. وتم الطلب من قادة خلايا الجهاديين الحضور إلى مراكز الأمن الداخلي وقيل لهم إن عليهم إيقاف تدفق الجهاديين إلى العراق. ومع عودة بعض من هؤلاء إلى سورية، كان على مخابرات الأسد أن تضع خطة أخرى. ويقول: "مرة أخرى، عملوا بجد على توجيه تهديد الجهاديين إلى الخارج، وفي الوقت نفسه جعلوا من اللاعبين الرئيسين في هذه المجموعات أدوات "دون قصد من أصحابها" للسياسة الخارجية السورية". كان الهدف هذه المرة هو لبنان، حيث أُجبرت سورية قبل ذلك بفترة على إنهاء احتلالها العسكري للبنان الذي استمر 30 عاماً وحُملت بعد ذلك مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. يقول نويمان: "نتيجة لذلك تم الطلب من الكثيرين من الجهاديين الأجانب الذين عادوا من العراق العودة إلى المخيمات الفلسطينية قرب صيدا وطرابلس، حيث سبق أن تم تنظيمهم هناك". كانت مجموعة فتح الإسلام، القناة الرئيسة للجهاديين في لبنان، تحت قيادة شاكر العبسي، وهو الرجل الذي يعتقد بأنه كان تحت رعاية أبي القعقاع. تقول أوباجي إن كثيراً من العرب المقاتلين الذين انضموا إلى جماعة فتح الإسلام دخلوا إلى لبنان بصورة غير قانونية عبر الحدود اللبنانية - السورية، وكان ذلك بواسطة قواعد منتشرة على الحدود اللبنانية - السورية يعمل فيها رجال تابعون لفصائل عسكرية مؤيدة لسورية". وبسبب العلاقات التي تربط النظام بالجهاديين، يعتقد عدد كبير من الشخصيات المعارضة أن الحركة الجهادية في سورية هي من اختراعات الأسد وأن مخابراته لا تزال مستمرة بالتلاعب فيها. هذه الإستراتيجية أعطت سببا للغرب بعدم التدخل في الحرب السورية. لكن في الوقت نفسه أسهمت هذه السياسة الراعية للإرهاب في تمكين دور الجهاديين في الأحداث الحالية في بلاد الشام.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم