Author

معاهدة الأشرار

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«واجب عدم التعاون مع الأشرار، كواجب التعامل مع الأخيار» مهاتما غاندي الزعيم الهندي الراحل يتسيد فلاديمير بوتين الساحة، المشهد، اللوحة. يتراجع قليلاً هنا بعض الشيء، ولكنه يتقدم كثيراً هناك. ليس مهماً التهديدات الغربية له، إلا في الحدود التي تمكنه من عدم التفجير أكثر. فالغرب يعيش حالة ارتباك سياسي (مع بوتين وغيره من المارقين)، من فرط خمول السياسة الخارجية الأمريكية، التي فضل لها باراك أوباما ذلك، إلى حين انتهاء ولايته. إلى جانب عدم وجود قيادات في بقية الساحة الغربية، يمكنها أن تُحدث توازنا ما في ظل السياسة الأمريكية الحالية. يرسل بوتين الجيوش على الحدود من أوكرانيا ويسحبها، ويتلقى مواقف غربية لا تتوازى مع هول التحرك العدواني له. لقد وجد الساحة خالية له ومعه عدد آخر من المارقين كسفاح سورية بشار الأسد، وعلي خامنئي. فلا بأس من اللعب على المكشوف وبعدوانية، طالما أن التبعات لن تكون سوى سلسلة من التصريحات التي ينتهي مفعولها بانتهاء إلقائها. بوتين يعد الآن اتفاقاً نفطياً-عسكرياً مع إيران، على عدة مراحل، تصل تكلفته الإجمالية مبدئياً إلى 20 مليار دولار، وتبلغ تكلفة المرحلة الأولى منه ثمانية مليارات دولار. ولا تزال بنود الاتفاق سرية، أو غير معلنة. وبمجرد التوقيع عليه رسمياً، لن يتردد رئيس روسيا ولا زميله رئيس إيران في الإعلان عن تفاصيله. فليس هناك ما يردعهما على الساحة. بل على العكس، هناك صمت أمريكي رهيب إلى حد الملل. ولعل من أسباب هذا الصمت، أن البيت الأبيض نفسه، بدأ في منح الموافقات للمؤسسات والشركات الأمريكية للتعامل مع إيران. صحيح أنها لا تزال في البداية، ولكن الصحيح أيضاً، أن حواجز كثيرة على صعيد العقوبات المفروضة على طهران تحطمت بالفعل، من قبل الشركات الغربية بشكل عام. بعض رؤساء هذه الشركات لا يزالون يخشون تحولا مفاجئا سلبيا في الموقف الأمريكي حيال إيران، فالتزموا الحذر والترقب. وعلى الرغم من أن روسيا تصدر الطاقة بمختلف أنواعها، فإن الاتفاق الذي تم تسريب بعض بنوده، يحول موسكو إلى وكيل إيران المعتمد في هذا المجال، فضلاً عن قيام الروس بمهام عديدة على صعيد تأهيل المنصات النفطية الإيرانية، وتطوير البنى التحية للقطاع النفطي بشكل عام. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن روسيا ستساعد طهران على بناء محطتين نوويتين جديدتين! أي أن بوتين لا يتجاوز فحسب، بل ويتحدى الغرب كله، ولا سيما الولايات المتحدة. وللعلم، إن الاختلاف الوحيد بين الجانب الروسي والإيراني الآن هو على تسعير النفط في هذا الاتفاق. وهو خلاف يدخل ضمن نطاق تلك المساومات التي تفضي في النهاية إلى الصفقة. خصوصاً إذا ما علمنا، أن السعر المختلف حوله لا ينقص إلا دولارات قليلة عن سعر النفط في السوق الدولية. هذا الاتفاق لن يتوقف عند بنوده، بل سيتطور لاحقاً وفي فترة قريبة إلى ما يشبه معاهدة بين الطرفين، في الوقت الذي لا تزال الشكوك تحوم حول نيات إيران حيال المنطقة والعالم. ولكن مرة أخرى، لا أحد في الأجواء قادر على إبداء الاعتراض على مثل هذه الاتفاقات، على الأقل في الوقت الراهن. ستزود روسيا إيران بالسلاح، وفق الاتفاق المذكور، وعلينا أن نتخيل خطورة ونوعية هذا السلاح، طالما أن الرقابة الغربية تساوي صفراً الآن. وبإمكان بوتين الخبير بالصفقات المروعة، أن يعلن شيئاً وينفذ شيئاً آخر في هذا المجال. فليس صعباً أن يضمن الاتفاق بنداً بتسليح إيران مثلاً بمليار دولار، بينما يورد في الحقيقة أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات. هذا إذا فكر رئيس روسيا ببعض الاحترام للغرب النائم. والغريب أن تحذيراً واحداً لم يصدر حتى من قبل شركاء أوباما الغربيين على هذا الاتفاق. نحن نعلم (على سبيل المثال) أن موقف فرنسا هو الأقوى على الصعيد الغربي حيال طهران، ولكنها لا تزال صامتة. والحق أن الموقف الفرنسي المتشدد، بات موقفاً صامتاً. دون أن ننسى تكالب الشركات الفرنسية على إتمام عقود مختلفة مع إيران في الآونة الأخيرة، بما في ذلك شركات لصناعة السيارات، وبالطبع الشركات النفطية والمصارف وغيرها. لن نتحدث هنا عن بريطانيا، التي فضلت الانصياع للرغبة الأمريكية حيال طهران دون حتى نقاش جدي. لا أحد يطالب هنا بالمبادئ. فهذه الأخيرة لا وجود لها على الساحة العالمية. المطلوب هو تدارك المخاطر. فاتفاق بوتين وخامنئي هذا، يعني ببساطة انفراط نصف عقد العقوبات الغربية على إيران. وإلى جانب الخروقات التي أحدثتها طهران في هيكلية هذه العقوبات، علينا أن نتخيل في المستقبل القريب، مستوى "النعم" الاقتصادية التي سيتمتع بها النظام الإيراني. إن هذا الاتفاق ليس سوى شراكة اقتصادية مريبة بين نظامين يسعيان إلى تحدي العالم، ويتبعان أسوأ الأساليب للوصول إلى غايتهما. وهو بلا شك خطوة أولى لمعاهدة بين الأشرار، في حين لا يزال أوباما يفكر.. وسيظل يفكر حتى نهاية فترة رئاسته.
إنشرها