Author

من يصنع الحضارة ؟

|
نحن كثيرا ما ننتقد الشباب على سلوكهم وتصرفاتهم التي قد تبدو لنا في بعض الأحيان غريبة ، بل أعتدنا أن نقول في كل تصرف لا يعجبنا منهم " وش تقول شباب " كأننا نحاول أن نجد أعذارا لهم . ولكن الواضح أن لديهم طاقة عالية وذلك هم يعبرون عنها بطرق مختلفة. و في الجانب الآخر لو وجهنا هذه الطاقة المتوقدة إلى الطريق الصحيح مع أعطاء الثقة لهم وفيهم ، لخرجت لنا إبداعات وانجازات قد تفوق ما نتخيل ، وشواهد ذلك كثيرة. منها مثلا في مجال القيادة ، ودعوني أنقلكم إلى ما قبل ألف و أربعمائة سنة خلت ، فقد قاد شاب صغير السن ولكن كبير بأفعاله جيش فيه كبار وأشياخ الصحابة لمقابلة أقوى دولة عظمى في ذلك الوقت ألا وهي الروم. ذلك الشاب الذي لم يتجاوز عمره الثمانية عشر سنة هو أسامة بن زيد رضي الله عنه ، وقد لقب بعد ذلك بالأمير حتى وفاته. وبعد سبعين سنة ظهر لنا شاب عمره سبعة عشر سنة نسميه مراهق بلغة عصرنا ! ولكنه رجل وقائد بلغة تلك العصور الخالدة ليكون على رأس جيش يفتح بلاد السند إلا وهو محمد بن القاسم الثقفي. و الأمر لا يقتصر فقط على ميدان الحروب والجيوش ، بل في كل ميدان ومجال تجد أن الشباب هو المحرك لكل جديد ، ففي المجال العلمي بدء نبوغ نيوتن في التفاضل والتكامل في بداية العشرينات من عمره . وبعد أجيال يخرج اينشتاين معارضا نيوتن في بعض أرائه ، ويعرض على العالم كله نظريته النسبية الخاصة و كان في السادسة والعشرين من عمره . ويأتي بعد ذلك في عام 1925 شاب ألماني أسمه هايز نبيرغ بمبدأ الريبة أو الشك في نظرية الكم الفيزيائية ليعارضه أينشتاين في بداية الأمر ، وهو الذي عارض نيوتن من قبل ! ، ولكن العالم كله بعد ذلك يشهد لهايز نبيرغ بصحة مبدأه. وإذا انتقلنا إلى مجال التقنية والكمبيوتر ، فالشواهد على إبداع الشباب في زمننا كثيرة ، فما من مكتب أو بيت إلا وفيه كمبيوتر وهو يعمل غالبا بنظام ويندوز، وقد بدأت الفكرة في رأس شاب كان عمره تسعة عشر سنة يدعى بيل غيتس ، وأما ستيف جوبز فقد سبق العالم كله بفكرة الكمبيوتر الشخصي ، وقد قيل له يوما على سبيل التهكم : من يحتاج إلى كمبيوتر شخصي ؟!. وهناك شاب يدعى ديفيد كارب كان عمره خمسة عشر سنة عندما أسس شركة تسمى تمبلر من غرفته نومه ! ، وقد أشترت ياهو تلك الشركة في عام 2013 بمبلغ 1.1 مليار دولار أمريكي !!. والقافلة طويلة جدا من الشباب الذي كانت لهم إسهامات عبقرية على مستوى العالم ، ونحن نؤكد لكم أن عقولكم ليست قاصرة ، ولكن مشكلتنا كمجتمع أننا نتعامل معكم على هذا الأساس !. والحقيقة أنكم عكس ذلك ، فأنتم تملكون طاقة عقلية وجسدية مشتعلة كالشمس ، يفتقدها كثير ممن بلغ سن الرشد ، فلا يغرنكم أن الآخرين أكبر منكم سنا وأكثر خبرة ، فأنتم دائما تفكرون خارج الصندوق ، وأنتم دائما تبحثون عن الحلول غير التقليدية لأنكم تعشقون الجديد والتجديد. ولعلي قبل أن أختم المقال أؤكد على أمرين مهمين ، أولهما إذا قررتم ماذا تريدون فثقوا بقراراتكم وقدراتكم ، ولا تترددوا ، والشاعر يقول : إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا. ثانيهما الذين حققوا انجازات من قبلكم ليس لديهم قدرات خارقة للعادة ، بل كانت لهم عقول وأجساد مثلكم ، ولكن الفرق أو السر في أنهم كانوا أكثر إصرارا. وأخيرا ، الحضارة لا يصنعها الكبار والشيوخ فقط ، بل أنتم جزء مهم منها ، وأحيانا أنتم وقودها ! ، ولذلك سوف يذكركم التاريخ دوما وأبدا ، فقد حفرت أسمائكم من قبل في ذاكرته.
إنشرها