Author

العقار .. الحذر من المغالطات المضللة

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
لم ولن يكون على الإطلاق "مدخل" حل الأزمة الإسكانية والعقارية لدينا زيادة القدرة التمويلية للأفراد، التي سينتج عنها توريط المواطنين في المزيد من القروض البنكيّة، ومن جانب آخر ستؤدي إلى مزيد من ارتفاعات الأسعار! هذه قناة أُحادية قاصرة النظر، أضرارها ومساوئها على الاقتصاد والمجتمع أكبر بكثير من فوائدها إنْ كانت لها فوائد غير تلك التي ستعود فقط على ثروات ملاك العقار. تخضع الصورة العامة لمشهد السوق الإسكانية والعقارية لدينا تحت الكثير من "التشوهات التشخيصية" التي ظللت علينا الرؤية الدقيقة "للاختلالات الهيكيلية" للسوق، وهو ما عقّد بدوره من جهود إيجاد حلول للأزمة. فعدا ما أصبح معلومة أسبابه كعوامل أساسية أدّتْ لتورّطنا في وحْل هذه الأزمة "تمَّت الإشارة إليها في المقال السابق"، أتتْ "التشوهات التشخيصية" لتزيد من تعقيد الأمور، وكما يتأكّد من دراسة وفحص تلك التشوهات التي صدرتْ ولا تزال تصدر بصوتها المرتفع من "مطبخ" التكتلات العقارية، فإنّها استهدفت الإبقاء على "الاختلالات الهيكلية" للسوق دون المساس بها من قريب أو بعيد، كيف لا وتلك الاختلالات هي الأساس الأول والأخير للأرباح الهائلة المتحققة لتلك التكتلات العقارية. لقد حملت بنود "التشوهات التشخيصية" التي تمّ طبخها في مطبخ التكتلات العقارية الكثير من المغالطات، ما أبعد بدوره حتى صانع القرار عن المصدر الرئيس للأزمة العقارية، وأحبط كذلك كل جهود الحل والمعالجة من الأجهزة التنفيذية، وأصاب المواطن بالخيبة والإحباط. أُولى تلك المغالطات؛ اجتماع تلك "التشوهات التشخيصية" حول عدّة محاور، التقت بكامل توجهاتها عند حماية الأسعار من التراجع رغم أنّها أساس الداء والبلاء، بل لقد تمادتْ إلى درجة الزعم الكاذب بأنّ الأسعار المتضخمة للعقار لا تمثّل أي مشكلة، واعتمدتْ في تضليلها على المقارنة غير الصحيحة بين مستويات الأسعار في السعودية مع بقية البلدان إقليمياً وعالمياً، وتعمّدتْ إغفال مستوى دخل الفرد الذي كان واجباً إدخاله في معادلة المقارنة، لتصل إلى نتائج أكثر دقّة حال المقارنة بين البلدان، ولتكتشف الفارق بين الحالتين، يكفي القول إنّ المقارنة بين الأسعار مجردة دون اعتماد "دخل الفرد" تضع السعودية في ترتيب متأخّر من حيث الارتفاع، بينما تضعها في قمّة الترتيب باعتماد عامل "دخل الفرد"، الذي يشير وفق المقارنة الدقيقة تلك إلى أنّ الفترة الزمنية اللازمة لتملك المواطن لمسكنه قياساً على الأسعار الراهنة للمساكن وقياساً على متوسط دخله السنوي الراهن ستتجاوز 30 عاماً، والتي تعد الأعلى على مستوى العالم! بل لقد تمادتْ التكتلات العقارية أكثر من كل ذلك إلى القول إنّ أسعار الأراضي والعقارات تتجه مستقبلاً إلى مزيد من الارتفاع، وكأنّها بذلك تتحدّى جهود الدولة الساعية لخفض تلك الأسعار المتضخمة، وتتحدى حتى العوامل الاقتصادية، وتتحدّى حتى الظروف المعيشية الصعبة التي يعانيها المواطن وأسرته. المغالطة الثانية، التي تروّج إعلامياً وعبر مختلف المنتديات والمؤتمرات حول الفجوة المتزايدة الاتساع بين العرض والطلب، وأنّها ستصل خلال السنوات العشر المقبلة إلى أكثر من 4.5 مليون وحدة سكنية! ومحاولة الضغط بمثل هذه المعلومات المضللة على الأطراف كافّة، للمضي بخطوات أسرع وأبعد في الاتجاه الذي يخدم مصالحها الضيقة على حساب الاقتصاد والمجتمع، وأنّ ما تقوم به وزارة الإسكان من جهود توفير الأرض والمسكن للمواطن لن يكون كافياً لحل الأزمة العقارية والإسكانية، وكم ستُذهل إذا علمت أنّ المشكلة ليست إطلاقاً على هذا النحو المضلل، بل هي على العكس تماماً، فالعرض أكبر من الطلب في الوقت الراهن، ويكفي الإشارة إلى بيانات كل من المصلحة العامّة للإحصاءات والمعلومات وهيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج، التي تبيّن حتى نهاية 2013 أنّ فائض العرض من الوحدات السكنية قد تجاوز 204 آلاف وحدة سكنية! وأنّ المشكلة هنا ليست في توافر المساكن بقدر ما أنّه يتركّز في عدم قدرة المواطن على تملّكه بناءً على أسعارها المرتفعة، التي تفوق قدرته من حيث الدخل، ومن حيث حتى قدرته على الاقتراض! أمّا بقية المغالطات؛ (3) تأخّر اعتماد المخططات الهندسية لمشروعات البناء، وتسببه من ثم في تأخير صدور فسوحات البناء، و(4) محدودية تمويل الشركات المختصة بالتطوير العقاري من البنوك المحلية، فما تكشّف عنه في المغالطة الثانية، يؤكّد أنّها واهية كبيت العنكبوت، حيث تجاوز النمو في عدد الوحدات السكنية خلال العامين الأخيرين 2012-2013 أكثر من 800 ألف وحدة سكنية، ورغم ذلك لم يطرأ على الأزمة الإسكانية إلا مزيد من التضخم! لنعلم لماذا؟ علينا العودة إلى من يملك تلك الوحدات السكنية الجديدة، ولماذا لم يستطع المواطن أن يتملّكها؟ كما أنّه يكشف بجلاء عن الذوبان التام للمغالطة (5) ارتفاع مستوى دخل الفرد نتيجة ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي تبعاً لذلك، ولو كانتْ صحيحة على أقل تقدير بنسبة 5 في المائة لما وقفنا جميعاً أمام هذه الأزمة المفتعلة مكتوفي الأيدي، ولما وجدنا أكثر من 204 آلاف وحدة سكنية خالية من السكن! أمّا المغالطة (6) انفتاح المملكة على العالم ودعوة المستثمرين الأجانب للاستثمار في المملكة نظراً لزيادة حجم المشروعات وحجم الإنفاق، فلم ينتج عنها في هذا السياق إلا السماح لغير السعوديين بتملّك العقارات، مضيفاً المزيد من التعقيدات المرتبطة بتفاوت مستويات الدخل بين السعوديين وغيرهم، وزيادة الطلب الاستهلاكي على موارد الطاقة والكهرباء وغيرها المدعومة بسخاء من الدولة. حينما نكتشف "وهْم" مثل تلك المغالطات البالغة الضرر على البلاد والعباد، وأنّ جهود التكتلات العقارية التي تريد زيادة قدرة الاقتراض على المواطنين، لشراء المساكن بتلك الأسعار المتضخمة والمتوقع استمرار ارتفاعها، وتحميلهم أعباء سداد أقساطها الباهظة قد تصل سنوات سدادها إلى أكثر من 20 سنة، فإنّ السنوات المقبلة تعني أنّها تحمل مزيداً من الأزمات والتحديات المريرة! كما تعني هذه المغالطات أنها تستهدف إبعادنا عن "المدخل" الحقيقي والسليم لحل الأزمة العقارية والإسكانية، المفترض أن يوجّه صوب: (1) الحد من احتكار الأراضي وحجزها عن الاستخدام والتطوير. (2) العمل على تنفيس الأسعار المتضخمة، عبر الأدوات المعلن عنها من قبل وزارة الإسكان من فرض للرسوم والغرامات ونزع الملكيات على مكتنزي الأراضي وحجبها عن الاستخدام والتطوير. لقد وصلنا إلى مرحلة اقتصادية وتنموية فيها من المخاطر والتحديات ما يعجز أي مجتمع عن مواجهة كوارثه الوخيمة، أرى من الواجب أنْ ندركها جيداً وأن نعرفها قبل أن تتفاقم أكثر مما هي عليه الآن، وهذا ما سيكون حوله المقال القادم، وإلى الملتقى.
إنشرها