Author

الدبلوماسية الشعبية عبر الإنترنت

|
طبقا لإحصائيات 2012م فإن الأغلبية العظمى من دول العالم يتوافر فيها الوصول إلى الإنترنت. وأن أكثر من مليارين و400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم نشطون على الإنترنت. وأصبح من المسلمات القول إن تقنيات الإعلام الجديد تمثل مجموع معطيات الإعلام التقليدي في حزمة واحدة. ما جعل هذا النوع من الإعلام يخترق الحواجز السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية من غير استئذان. كما أنه همّش ديمقراطية التعالي، وأتاح الباب واسعاً لديمقراطية الحوار التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - من منطلق الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان. وحين نقول "الحوار" فمن الخطأ حصره في نطاق ضيق بين النخب أو المنظمات الحكومية وغير الحكومية، بل إن فاعلية هذا "الحوار" لن تُؤتي أُكلها إلا بتفاعل "الشعوب" وبعضها، وبالتالي فإن التقنية الحديثة وثورة الاتصال أوجدت مجالات وفرصا جديدة وتحديات جديدة أيضاً، وإشكاليات حقيقية. حيث أوجدت مجالاً واسعاً للتواصل مع الآخرين بكل حرية، وكسرت حاجز اللغة، فتتداخل الثقافات وتتلاقح على خلفية مشتركة من المبادئ والأسس الإنسانية، وتقل بذلك تدريجياً ما يمكن أن يطلق عليه الترسبات الخاطئة حول الثقافات المختلفة، مكونة مناخاً من التفاعل البيني والتفاهمات. كما أنها تقضي على أحادية الرؤية للخبر، وأولوية الأخبار، لتتم هذه الأولوية وفقاً لما يراه الإنسان البسيط لا كما تفرضه وسائل الإعلام التقليدية. ونحن حين نذكر "الحوار بين الشعوب" فإننا نشير إلى مصطلح "الدبلوماسية الشعبية"، الذي بدوره يستدعي نموذج القوة الناعمة التي تقوم فكرتها على أنها القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية، التي تقوم على ثقافة وطنك ودينه وأخلاقياته العربية الأصيلة، وأهدافه ومقاصده السياسية النبيلة، ولعبة الإقناع بالدوافع وتحقيق المصالح المتبادلة لجميع الأطراف، وذلك عندما تجعل الآخرين يتبنون عن قناعة ما يعود عليك وعلى وطنك بالنفع والظفر، ويحقق مصالحك التي تصب بالمحصلة في مصالح بلدك وأهدافه التنموية. وبذلك فالدبلوماسية الشعبية "حوار متوازن" لبناء العلاقة مع الشعوب في الدول الأخرى في محاولة لتحقيق فهم أفضل لأفكارك وأفكار وطنك، والمثل العليا فيه، ومؤسساته وثقافته، ودينه، فضلاً عن سياساته الحالية. إن التحول نحو وسائل الإعلام عبر الإنترنت، وتحول وسائل الإعلام التقليدية لإنشاء مواقع إلكترونية لها، وكذلك الحال فيما يخص شبكات التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك" و"تويتر"، أصبح يمثل اتجاها متناميا بين الناس نحو الإنترنت باعتبارها أبرز وأهم مصادر الأخبار للعالم، وهذا يمثل فرصة فريدة من نوعها للدبلوماسية الشعبية لاختراق الرأي العام العالمي. إذ سمحت هذه الوسائل الجديدة بنشر الرسالة الإعلامية التي نريدها نحن كمجتمع وأفراد سعوديين، مباشرة للجمهور المتلقي دون الوساطة من قبل الصحافة، كما تتيح في الوقت ذاته مخاطبة الجماهير مباشرة لإيصال صوتنا ووجهة نظرنا تجاه ما يتم تداوله من أخبار وأحداث تمسنا وتمس مصالحنا ومصالح ديننا ووطننا، لنقوم بدورنا بشرح وجهة نظرنا، أو لفت الأنظار نحو الوجه المشرق للحياة في وطننا في حال تداول أخبار سلبية عنه، ونشر مقاطع فيديو لروايات تعزز رسالتنا، إذ إن الناس حول العالم على استعداد للسماع من مختلف الأطراف والتوصل للاستنتاجات بناءً على أسبابهم الخاصة. إذن فقد أتاحت تطبيقات الإنترنت لنا كشعوب فرصة لنسهم بفاعلية في تحسين صورتنا كمجتمع، ولنخلق حوارا تفاعليا بناء مع شعوب الدول الأخرى، لما يعود بالنفع علينا وعليهم وعلى البشرية جمعاء. لكن هذا التفاعل سلاح ذو حدين، إذ يلزم الشخص المتفاعل أن يكون مُتَّسِمَاً قدر المستطاع، بالكياسة والنباهة والفهم والإلمام الصحيح بدينه وثقافته وسياسات دولته ومواقفها على الساحة الدولية، وخلفيات هذه المواقف ومبرراتها وأهدافها. وهو ما يعني أن عليه الاطلاع المستمر على ما تنشره وكالة الأنباء السعودية من بيانات وتصريحات صادرة عن الدولة أو مجلس وزرائها أو أحد أذرعها، أو علمائها، أو كتابها ومفكريها الموثوقين، وأن عليه أن يحدث بياناته، وأن يمتاز بسعة الأفق. ومتى ما وجد الفرد أن لديه مثل هذه القدرات والمهارات والفهم، فيصبح حينئذ، بإمكانه المضي قدماً بالمشاركة في العمل الدبلوماسي الشعبي السعودي، ولا يتردد في ذلك، وإن أخطأ أو تعثر في بعض الأحيان. لكن متى ما وجد أن مثل هذه الصفات غير متوافرة لديه، فإن عليه أن يحجم عن التفاعل في هذا المجال، لما قد يتسبب - وبشكل عكسي - في آثار سلبية قد لا يتصورها، تعود بالضرر البليغ عليه وعلى دينه ووطنه.
إنشرها