Author

الغذاء.. كارثة في حالة انتظار

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«الغني ينتفخ من الفخر، والفقير ينتفخ من الجوع» شالوم أليشيم أديب وكاتب أوكراني روسي قضية الجوع في العالم مزمنة. هذا لا شك فيه، ولكن مسألة حلها أيضاً مزمنة، وهي أشبه بتلك القضايا العالقة التي أصبحت على مر العقود جزءاً من التاريخ المتجدد. ورغم التقدم بعض الشيء في عملية الحل هذه، إلا أن الوصول إلى مستوى مقبول لهذا الحل، لا يزال بعيداً، وبعيداً جداً. هناك جهود صادقة بلا شك، ولكن أيضاً هناك معوقات كثيرة، بعضها يرتبط بالفوضى السياسية - الاقتصادية التي لا تزال ماثلة على الساحة، وبعضها الآخر يتعلق بعدم التعاون الأمثل في عملية الحل هذه. فالمشاريع والأهداف التي حُددت لمواجهة أزمة الجوع، كانت جيدة للغاية، غير أن أدواتها ظلت دون مستوى جودتها. ولا بأس من تقاذف الاهتمامات بين الأطراف المعنية. فقد أضحت هذه الاتهامات جزءاً أصيلاً من مقومات السياسة الدولية. وتكرس "شعار"، أنتم السبب.. لا أنتم السبب، في المشهد العام. تقول الممثلة الأمريكية جينجر روجرز "أنا أسد جوعي ولا أسد شهيتي". وإذا طبق العالم بالفعل ذلك، فإنه سيختصر كثيراً من المشكلة، بل سيطرح ثقافة ليست جديدة، غير أنها ستكون أكثر شيوعاً. وهذا ما هو مطلوب على الساحة في الوقت الراهن. الجوع يهدد نصف سكان العالم حالياً، حسب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو". وبينما يفترض أن تقلل مشاريع التنمية والأهداف الإنمائية الدولية عدد الجوعى، ليس فقط عن طريق توفير الغذاء الأساسي اللازم، بل من خلال خفض ما أمكن من معدلات الفقر، فإن العدد يتزايد على مستوى العالم. وفي حالات قليلة على الساحة.. يراوح مكانه. وقضية الجوع لا تتصل فقط بالفقر، ولكن بضمان إمدادات غذائية معقولة للسكان العالم. فإذا كانت هذه الإمدادات مهددة، فإن الأموال الموجودة تكون بلا قيمة. لماذا؟ لأن على العالم (حسب "الفاو") زيادة إنتاجه من الغذاء بنسبة 60 في المائة بحلول منتصف القرن الجاري. والبديل، هو نقص شديد في الغذاء، قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية، بل وحروباً أهلية. إذن.. القضية تمضي أبعد من عناصرها المباشرة، لتصل إلى مناطق خطيرة للغاية. والحق أن الطلب على الغذاء سيرتفع في العقود المتبقية من نصف القرن الراهن، ليس فقط من جراء ازدياد عدد السكان، بل أيضاً من ارتفاع معدلات الثراء. وهذا الطلب سيأتي من شريحتين متناقضتين. الأولى ثرية تضم مزيداً من الأثرياء الجدد، والثانية فقيرة تضم أيضاً مزيداً من الفقراء المتزايدين. وتلبية الطلب بالنسبة للشريحة الأولى، ليس أقل مشاكل من تلبيته للشريحة الثانية. وهذا يتطلب الكثير من العمل، والمزيد من التخطيط، وقبل هذا وذاك، المزيد من الإصرار لتحقيق أهداف الألفية الخاصة بالفقر والجوع والتي ينتهي موعد تحقيقها المزمع في العام المقبل، أي بعد أشهر معدودة من الآن. والمصيبة الأولى تكمن، في انخفاض الإنفاق العالمي على البحوث الزراعية، التي باتت ضرورة حتمية ليس لتوفير الغذاء فحسب، ولكن لابتكار مصادر غذائية ــــ زراعية تتجاوب مع الطلب. ومن الحقائق المروعة "على سبيل المثال"، أن أكثر من نصف مليار شخص سيقعون فريسة الجوع المزمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حتى ولو أنجزت هذه المنطقة أهداف الألفية المشار إليها، الرامية إلى خفض نسبة الفقراء لـ 12 في المائة من عدد السكان. وهذا يؤكد مرة أخرى، ضرورة الوصول إلى صيغ جديدة لتوفير الغذاء، بما في ذلك الابتكار المفقود أو على الأقل الذي لا يحظى باهتمام يوازي أهميته. ليس كل ما تقوم بها المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، يواجه إخفاقات. ولكن رغم تقدم ملحوظ وليس كبيراً في مكافحة الفقر، الذي يؤدي تلقائياً إلى الجوع، لا يزال هناك (حسب "الفاو" مرة أخرى) أكثر من 842 مليون نسمة في العالم يعانون سوء التغذية. ثلثا هؤلاء يعيشون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ولا بد من الملاحظة هنا، أن المصاب بسوء التغذية لا ينضوي في قائمة الجياع. سيتجاوز عدد سكان العالم بحلول منتصف القرن الحالي تسعة مليارات نسمة. بزيادة أكثر من ملياري نسمة. وهذا العدد الهائل يفرض حقائق تبدو حالياً مروعة نظرياً، ولكنها ستكون أكثر من مروعة عملياً عندما يحين موعد الاستحقاق. وستظهر بالتأكيد المزيد من المشاريع والخطط الانمائية في السنوات المقبلة، غير أنها لن تكون ذات معنى فيما لو ظل جانب التمنيات فيها حاضراً بالتساوي مع جانب الإنجازات. ولأن المكتوب يظهر من عنوانه كما يقولون، فقد أثبتت (على سبيل المثال) القمم المخصصة للغذاء في العالم فشلها، وفي أفضل الأحوال أثبتت تحقيقها أهدافا يمكن أن يدعي أياً كان أنها أهداف لا تُذكر مقارنة بالاستحقاقات العالمية على المدى المتوسط والبعيد. فالتحديات كثيرة وبعضها ينظر إليه على أنه صعب للغاية. فالدول النامية "مثلاً"، تحتاج بصورة ملحة إلى زيادة محاصيلها بنسبة تصل إلى 77 في المائة، وعلينا أن نتخيل صعوبة تحقيق ذلك في السنوات المقبلة. إن "الإنجازات" العالمية التي تحققت من خلال المشاريع الدولية، ستكون مثاراً للسخرية، عندما تفشل البلدان النامية في تحقيق حد أدنى من المنجزات الزراعية. إنها كارثة في حالة انتظار.
إنشرها