FINANCIAL TIMES

الحرب على السمنة تنتهك الحريات الشخصية

الحرب على السمنة تنتهك الحريات الشخصية

تلوح في الأفق بارقة أمل بالنسبة للبلدان التي تكثر فيها السمنة في العالم، مثل المكسيك التي تفوقت في الفترة الأخيرة على الولايات المتحدة باعتبارها البلد الذي يضم أكبر عدد من أصحاب الوزن الزائد في الأمريكتين، وبالنسبة لبريطانيا وهنغاريا اللتين تتنافسان على لقب أكبر أمة سمينة في أوروبا. ففي دراسة جديدة لمجلة الجمعية الطبية الأمريكية، نجد هبوطاً حاداً في السمنة بين الأطفال الأمريكيين ممن هم في عمر سنتين أو أكثر. وفي حين أن نحو 14 في المائة من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات كان لديهم قبل عشر أعوام معدل مرتفع في مؤشر كتلة الجسم، بلغ 8 في المائة فقط هذا المعدل في المرة الأخيرة التي أخذت فيها القياسات في الفترة 2011 – 2012. وأكد مؤلفو الدراسة أنهم لاحظوا، بصورة إجمالية "عدم وجود تغيرات ذات بال في معدل انتشار السمنة". لكن الخبر السار المتعلق بمن تراوح أعمارهم بين سنتين وخمس سنوات جعل المختصين في التغذية ودعاة اللياقة البدنية يقتتلون بخصوص صاحب الفضل في ذلك. فمن الذي يستحقه؟ ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي على استعداد للمطالبة بحصتها. فهي الوجه العام للحملات الحكومية ضد سمنة الأطفال. وفي بيان صحافي نشرته إدارة "مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها" بعد دراسة الجمعية الطبية الأمريكية، اعتبرت السيدة الأولى نفسها "تشعر بحماس كبير بسبب التقدم الذي حققناه في السنوات القليلة الماضية". لكن هذا التقدم إلى حد كبير سابق على السيدة أوباما. فمعظم الفترة التي غطتها الدراسة جاءت أثناء رئاسة جورج بوش الابن. أما برنامج السيدة أوباما الخاص بالتمارين، بعنوان "دعونا نتحرك"، فقد تأسس فقط في 2010. وفي حين أنها كانت نشطة للغاية في الترويج لوجبات جديدة صحية في المدارس، التي فرضها الكونجرس والأجهزة التنظيمية، فإن الوجبات نفسها كانت فاشلة فشلاً ذريعاً. فقد كان هناك فتات من اللحم، وباستا خشنة غير مكتملة النضج، وما إلى ذلك، وقد وصفها تقرير حكومي مليء بالانتقادات في تموز (يوليو) بصورة فيها مواربة حين قال إن المدارس "مرت بتحديات عديدة على علاقة بقبول الطلاب لبعض المواد الغذائية". وظل خبراء الصحة العامة يشخصون وجود "وباء سمنة" منذ الثمانينيات. ولا يزعم تقرير الجميعة الطبية أن هذا الوباء تراجع، رغم أن هناك علامات مشجعة في بعض المناطق. وبرامج التغذية الفيدرالية للفقراء تقدم الآن مزيدا من الفواكه والحليب والأطعمة الصحية الأخرى. وازداد معدل الرضاعة الطبيعية، المرتبطة بوضع صحي أفضل للأطفال. ومع ذلك يظل جزء كبير من طبيعة التغذية واللياقة البدينة من الأسرار بالنسبة إلينا. وتشير بعض الأبحاث إلى أن الذين يشربون الحليب كامل الدسم أقل سمنة ممن يشربون الحليب قليل الدسم. كذلك يبدو أن هناك عنصراً وراثياً في السمنة. ومعرفتنا بكيفة تصميم الحوافز الصحية بدائية إلى حد ما. وحين أُدخلت ضريبة على السمنة في الدنمارك عام 2011، كان المقصود منها هو الحد من الأكل الزائد، لكنها أدت إلى نتائج عكسية، وتم سحبها. ويواجه المجتمع الأمريكي تحديات خاصة. فالوجبات السريعة (مثل أي شيء آخر في الثقافة الأمريكية) رخيصة، ومثيرة، وتسبب الإدمان. وهناك حيلة عريقة على صعيد المبيعات من شركات التجزئة الأمريكية، وهي إعطاء المشترين صفقة جيدة فعلاً على أشياء لا يحتاجون إليها. ويتصور كثير من المستهلكين أن الجزء الذي يتعاملون معه من الشركة – المنتج – هو كامل الشركة. لكنهم يتجاهلون الإيجار، والنقل، والموظفين، والمخزون، والإعلانات، والدعاية،.. إلخ. بالتالي حين يُعرَض عليك ضعف كمية الطعام مقابل زيادة مقدارها نصف السعر الأصلي، فإن هذا يبدو في نظر كثير من المشترين توفيرا بالنسبة إليهم، حتى لو أضاف الحجم الإضافي فقط 10 في المائة من تكاليف صاحب المطعم أو شركة التجزئة. إن الحافز لتكبير حجم الوجبة والمشروبات هائل، وهو مضمن في الأصل. لكن مثل هذه الحوافز موجودة دائماً. وهناك تطوران جديدان جعلاها تؤدي إلى المزيد من السمنة. أحدهما هو شبه الحظر على كابح للشهية قوي ومعروف، وهو النيكوتين. فإذا كنتَ مدخناً فإنك تفوت الفطور ولا تتناول إلا كميات قليلة عند الغداء والعشاء، وبالتالي من غير المرجح أن تصبح سميناً، حتى ولو لم يكن في ثلاجتك سوى لحم الستيك والآيس الكريم. عامل آخر هو أن معظم النساء الآن في أماكن العمل، بدلاً من مراقبة وجبات عائلاتهن. واليوم يتخذ الأطفال المزيد من قراراتهم الخاصة بالتغذية، مسترشدين في ذلك جزئياً بالشركات التي تريد أن تنتفع منهم. ربما يفسر لنا هذا الأنظمة المرتبطة بالسمنة والتي تزداد تسامحاً في أمريكا الشمالية. وفي مقال في المجلة الأمريكية للصحة العامة، تجادل مجموعة من الأطباء الكنديين الآن لصالح فرض ضريبة على الوجبات السريعة، على أساس أن "تكاليف السمنة التي تنشأ من الخيارات الغذائية السيئة التي يتخذها الأفراد، يتحمل المجتمع ككل تكاليفها من خلال الضرائب، والإنتاجية الضائعة، ونظام للرعاية الصحية مرهق بالأعباء". وبطبيعة الحال تستطيع أن تقول الشيء نفسه عن أي نوع آخر من الخيارات السيئة، لكن لا يبدو أن الأمريكيين يمانعون. في عام 2000 أمر قاض مكسيكي بأن تؤخذ آناماريا مارتينيز ريجينو من بيت أهلها بحجة وزنها، وقد صعق الأمريكيون وشعروا بالنفور الشديد من الحكم، لكن الثقافة السياسية تغيرت. مثلا، عمدة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرج، وعدد من السياسيين الآخرين تمت إعادة انتخابهم لمكافحتهم الأطعمة المليئة بالدهون غير المشبعة وسعيهم لحظر الأحجام الكبيرة من المشروبات الخفيفة. والهدف هو جعل الناس يبدون في صحة جيدة وفي حالة نفسية جيدة من خلال إعطائهم استقلالاً ذاتياً أقل. يقول مثل هوليوود: "لا يمكن أبدا أن تشبع من الغنى ولا أن ترضى عن مقدار نحافتك". لكن على ما يبدو تستطيع أن تكون سميناً فوق الحد، وحراً فوق الحد أيضاً.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES