Author

البطالة والسكن.. هل معلوماتهما غيبية؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
ماذا يعني أنْ تتأرجح معلوماتنا حول أهم قضايا التنمية محلياً بين أقصى حدود التضارب والتناقض؟ "البطالة" تبدأ من الإنكار التام لوجودها، مروراً باستقرارها حول 11.7 في المائة، إلى أنْ تتجاوز 32.1 في المائة، ومن ثم يدخل الجميع في عتمة التشتت وعدم اليقين. ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ فأعداد العاملين السعوديين وغير السعوديين غير متفقٌ عليها لدى كلٍ من وزارة الخدمة المدنية والعمل ومصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات. وكذا الحال بالنسبة لمعلومات تملّك "السكن"، لا يقل حجم التضارب والتناقض عن صدمة "البطالة"، فنسبة تملّك المساكن للمواطنين تبدأ من 61 في المائة، وتنتهي إلى أقل من 27 في المائة! وبينهما عشرات النسب تنتشر في كل حدبٍ وصوب! أمام هذين الجانبين فقط البالغي الأهمية، واللذين ترتكز عليهما بالدرجة الأولى الأسس الرئيسة للتنمية المستدامة والشاملة، كيف للمخطط الاقتصادي الحكومي، أو القطاع الخاص كشريكٍ رئيس في التنمية، أو المهتمين والمراقبين، أو المواطن وأسرته كنواةٍ أولى لكل تلك القضايا، أقول كيف لكل تلك الأطراف أن تبني قراراتٍ وإجراءاتٍ وبرامج على بيّنةٍ من أمرها؟!. إذا سلّمنا بدقّة الإعلانات الأخيرة لوزارة العمل بتوظيف 723.4 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الخاص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وبيانات وزارة الخدمة المدنية للفترة نفسها بتوظيف 261.1 ألف مواطن ومواطنة في القطاع الحكومي، ليصبح المجموع أكثر من 984.4 ألف مواطن ومواطنة، أي بمعدل نمو تراكمي عن الفترة يتجاوز 61 في المائة "99.9 في المائة للقطاع الخاص، 29.5 في المائة للقطاع الحكومي"، أقول إنْ سلّمنا بكل تلك المعلومات، فلماذا لم نشهد تحسناً ملموساً على معدّل البطالة بين السعوديين؟ لماذا ارتفع من 11.2 في المائة بنهاية 2010 وفقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات إلى 11.7 في المائة وفقاً للمصدر ذاته؟ هل لأن البيانات في أصلها مشكوكٌ في دقتها؟ ولماذا أصبحت وزارة العمل لا تعترف إلا بالمعدّل الصادر عن مصلحة الإحصاءات، على الرغم من عدم اعتراف استراتيجية التوظيف الوطنية "الملتزمة بها وزارة العمل كما تصرّح دائماً" بآلية مصلحة الإحصاءات لاحتساب معدل البطالة؟ وقسْ الحالة نفسها على معلومات تملّك المساكن، فوفقاً لآخر بيانات توافرت بصورةٍ شحيحة، تبيّن أن لدينا فائضاً في عدد الوحدات السكنية حتى نهاية 2013 فاق 204 آلاف وحْدة سكنيّة، ورغم ذلك لا تزال أزمة الإسكان تؤرّق الجميع! زاد من التشويش حولها الغياب اللافت لمعلومات سوق الإسكان محلياً، والتضارب في معدلات تملّكها لدى المواطنين بين معدلاتٍ مرتفعة وأخرى منخفضة! حينما تغوص في أعماق ما تقدّم ذكره أعلاه على أرض الواقع، وتذهب بنفسك إلى دهاليز منشآت القطاع الخاص، وتتعرّف على الأوضاع الحقيقية التي تواجهها العمالة المواطنة في تلك المنشآت كتحدياتٍ جسيمة وخطيرة، فأنّك ستُذهل كل الذهول! وكيف أنّ العامل السعودي ليس كما تصوّره تصريحات أغلب رجال الأعمال؛ على أنّه عامل كسول وغير منتج، وأنّه يبحث فقط عن الأجر المرتفع دون أدنى تأهيل، وأنّه لا يلتزم بعقد العمل فيخرج من العمل دون عودة، وبقية التهم المجحفة التي لا ينتهي رصيدها! وستكشف أنّ حالاتٍ شاذة تنطبق عليها تلك التهم، قد عُممتْ عمداً على أغلب العاملين السعوديين لأهدافٍ وغاياتٍ معلومة. لقد وجدتُ عمالة وطنيّة مؤهلة، بعضها مضى عليه أكثر من عشر سنواتٍ لم تحظَ بزيادة ريالٍ واحد طوال تلك الفترة، راوحت أجورها بين 2000 ـــ 3000 ريال شهرياً، وجدتُ أنّها تقبل بتلك الأجور وسط ظروفٍ عملية قاسية، مقابل أضعافها تُدفع إلى العمالة غير المواطنة! فهل كلّفتْ وزارة العمل نفسها عناء معالجة تلك المعضلات الخطيرة؟ ووجدتُ عمالةً وطنية توقّع استقالتها دون تاريخ قبل أنْ توقّع عقود مباشرتها للعمل، حتى إذا ما أرادتْ تلك المنشآت التخلّص منها في أي وقتٍ، ليس عليها إلا أن تضع التاريخ على خطاب الاستقالة الموقّع مسبقاً، ويا دار ما دخلك شر! ووجدتُ عمالة تعاني أنواع المضايقة والتحرّش والأذى، وباختصارٍ شديدٍ فقد وجدتُ العمالة الوطنية كالغريب في منشآت القطاع الخاص، التي يُسيطر عليها مديرون وقيادات غير سعودية! فهل كلّفتْ وزارة العمل نفسها مجرّد عناء استقصاء تلك الحالات؟. إذا كانتْ أهم وأبرز المؤشرات المتعلقة بسوق العمل المحلية غائبة، ومتضاربة إلى تلك الحدود المبيّنة أعلاه، فكيف لأي جهازٍ رقابي على سوق العمل أنْ يستشفّ أيّ من تلك الحقائق المريرة الجارية فصولها في أروقة منشآت القطاع الخاص؟ والحديث بالسياق ذاته تجري فصوله المحترقة الأوراق على سوق الإسكان، فأغلب المواطنين المستأجرين لمنازلهم، يتعرّضون مكشوفي الصدور للقرارات المستمرة عاماً بعد عام برفع قيمة الإيجار، في الوقت الذي تجد دخله الشهري كما تبيّن من وقائع سوق العمل يقبع في مستوياتٍ متدنية. ألم ندرك حتى الآن، مخاطر غياب المعلومات الدقيقة والتفصيلية حول أهمِّ ركائز وجود الإنسان والأسرة "العمل، السكن"؟ ألا تدرك الجهات المعنيّة بتلك الجوانب الرئيسة في حياة المجتمع، المخاطر الوخيمة لأي خللٍ فيها على المستويات كافّة، بدءاً بالاستقرار المادي والمعيشي والأُسري، مروراً بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وانتهاءً بالاستقرار الأمني؟! ألم تدرك الجهات المعنيّة بصورةٍ مباشرة بتلك القضايا المحورية، أنّ ترْك المشاكل المتعلقة بها لتتحوّل من مجرّد تحدياتٍ إلى أزماتٍ تتفاقم أحجامها عاماً بعد عام، قد يكون سبباً خطيراً وراء إهلاك الأخضر واليابس؟ ألم تدرك تلك الجهات المعنيّة، أنّ تجاهل تلك الأزمات أو عدم الاعتراف بها درءاً لاتهامها بالتقصير أو سوء الإدارة، أنّ له عواقبه الوخيمة التي سيدفع ثمنها الباهظ ــــ لا قدّر الله ـــــ الوطن والمجتمع؟ ألا ندرك جميعاً أنّ الاعتراف بوجود تلك التحديات والأزمات يمثّل 50 في المائة من الحل، وأنّ توصيفها الدقيق واقتراح الحلول اللازمة، وفقاً لمواردنا الهائلة بحمد الله، يمكن أن يعبر بنا جميعاً سالمين غانمين إلى مستقبلٍ أكثر أمناً ورفاهية وتقدّما؟.
إنشرها