Author

قروض الأفراد 682 مليار ريال

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أظهرت أحدث النشرات الإحصائية الربع سنويّة 2013، التي صدرتْ عن مؤسسة النقد العربي السعودي، أنّ إجمالي القروض الاستهلاكية الممنوحة من المصارف للأفراد قد بلغ بنهاية 2013 أكثر من 332 مليار ريال، وإذا أُضيفتْ إليها قروض بطاقات الائتمان البالغ قيمتها 8.4 مليار ريال، فإنّ إجمالي القروض سيصل إلى نحو 340.5 مليار ريال. توزّعت تلك القروض الاستهلاكية على ثلاثة أقسام، الأول: التمويل العقاري بنحو 44.9 مليار ريال "13.5 في المائة"، الثاني: السيارات والمعدّات بنحو 65.1 مليار ريال "19.6 في المائة"، الثالث: قروض استهلاكية أخرى بنحو 222.1 مليار ريال "66.9 في المائة". مع تزايد أعباء المعيشة "التضخم" على الأفراد، مقابل النمو المحدود سنوياً في مستويات الأجور، التي يُعد أغلبها في مستوياتٍ متدنية "حيث يشكّل إجمالي الأجور المدفوعة للعمالة في القطاعين الحكومي والخاص نحو 21 في من إجمالي الناتج المحلي، مقارنةً بنسبها المشابهة في العديد من اقتصادات البلدان النامية والمتقدّمة التي تراوح بين 45 في المائة و80 في المائة، وفقاً للبيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي"، أؤكد القول هنا أنّه مع تزايد تلك الأعباء على الأفراد، مقابل خضوع الاقتراض من المصارف للقيود التنظيمية الصارمة المفروضة من مؤسسة النقد، لجأ الأفراد إلى الاقتراض من خارج دائرة القطاع المصرفي، وتحديداً من المنشآت الخاضعة لـ "نظام البيع بالتقسيط"، الذي تشرف عليه وزارة التجارة والصناعة، ويُقدّر تجاوز أعداد تلك المنشآت بأكثر من 2000 منشأة تجارية وفقاً للإحصاءات المتحفظّة، وعادةً ما تحتسب تلك المنشآت معدلات فوائدها السنوية على تسهيلاتها الائتمانية بمعدلات تفوق المعدلات لدى المصارف التجارية، وذلك لعدة اعتبارات؛ لعل من أهمها ارتفاع معدلات المخاطرة عليها، كون المقترضين إمّا يتحمّلون في الأصل قروضا مصرفية، وإما أنّ البعض منهم متعثّر عن سداد قروضه المصرفية. يقع النّوع الأخير من القروض خارج المصارف التجارية تحت ما اصطلح على تسميته "نظام الظل المصرفي"، الذي كان أول من ابتكره الاقتصادي Paul McCulley في عام 2007، وذلك في المنتدى المالي السنوي الذي استضافه بنك الاحتياطي الفيدرالي في Kansas City، قام مجلس الاستقرار المالي - منظمة مؤلفة من السلطات المالية والرقابية من اقتصادات ومؤسسات مالية دولية كبرى ــــ في مرحلة لاحقة بوضع تعريف أوسع لمصارف الظل ونظام الظل المصرفي العاملة تحته، مبيّناً أنّه: يشمل جميع الكيانات التي تقع خارج نطاق النظام المصرفي الخاضع للتنظيم وتؤدي الوظيفة الرئيسة التي تقوم بها المصارف، وهي الوساطة الائتمانية "أي أخذ أموال من المدخرين وإقراضها لمقترضين". وهو ما يشمل هنا وفقاً للحالة المحلية لدينا شركات ومكاتب التقسيط. ووفقاً لمسوحات المجلس، فقد بلغتْ حصة نظام الظل المصرفي في بلدان العيّنة نحو 25 في المائة من إجمالي الائتمان الممنوح في تلك البلدان خلال الفترة 2009 ـــ 2011. وبإسقاط تلك النتائج على الحالة المحلية لدينا، فإنّ "قروض الظل المصرفي" التي يتحمّلها الأفراد، يُقدّر أنّها قد تجاوزت سقف 349.8 مليار ريال بنهاية العام الماضي، وبإضافتها إلى إجمالي "القروض الاستهلاكية المصرفية" المبيّنة أعلاه، سيصبح المجموع الكلي نحو 681.9 مليار ريال "القروض الاستهلاكية المصرفية 48.7 في المائة، قروض الظل المصرفي 51.3 في المائة". وبنسبة مجموع تلك القروض "المصرفية، الظل المصرفي" إلى إجمالي الناتج المحلي بنهاية 2013 فإنّها ستصل إلى نحو 24.6 في المائة "أعلى من النسبة المماثلة لإجمالي الأجور"، وترتفع النسبة إلى 47.1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. المؤدى من كل ما تقدّم ذكره، أنّ الأفراد وتحديداً المواطنين منهم يواجهون تحدياتٍ معيشية جسيمة، وباستبعاد شريحة المقترضين لأهدافٍ بعيدة عن تلك التحديات والظروف المعيشية، التي يغلب عليها طابع الإسراف والتبذير، التي لا تُشكّل النسبة الغالبة، أؤكد أن تلك الشرائح من المواطنين المضطرّين للاقتراض وتحمّل أعباء الديون المرهقة، تواجه أسباباً وتحدياتٍ حقيقية اضطرتهم ظروفهم المادية والمعيشية للوقوع تحت أسرْها! أصبح من الأهمية القصوى أنْ تخضع للبحث والدراسة من قبل الأجهزة الرسميّة المعنية في القطاعين الاقتصادي والمالي. تضم تلك الشرائح من المجتمع مئات الآلاف من الشباب حديثي العمل، والعاملين في كل من القطاعين الحكومي والخاص، والمتقاعدين، ومن خلفهم ملايين الأُسر، تشكل في مجموعها العصب الرئيس للمجتمع السعودي، ما يستدعي بالضرورة القصوى اتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لمعالجة تفاقم تلك القروض على المواطنين، فعدا أنّ الأجور الحقيقية باحتساب أثر التضخم فيها بقيمتها الاسمية "تآكل نحو 55 في المائة"، فإنّ أقساط تلك القروض الضخمة تستقطع أكثر من 33 في المائة الأجور الاسمية، وتصل أحياناً إلى 50 في المائة منها، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه متوسط أجور السعوديين في القطاع الخاص سقف الـ 4801 ريال شهرياً، حسب بيانات وزارة العمل في نهاية 2012. فإذا استقطع التضخم نحو 55 في المائة من الأجر الاسمي، واستقطعتْ أقساط القروض "المصرفية، الظل المصرفي" نحو 33 في المائة من الأجر الاسمي أيضاً "ليصبح المجموع 88 في المائة"! تُرى ماذا تبقّى من الأجر الشهري الذي يتسلمه المواطن العامل؟ هل يُعقل أنّ ذلك المواطن ومعه أسرته، سيعيش حياة لائقة على ما لا يتجاوز 12 في المائة من أجره الذي يتسلمه؟! أترك الإجابة للأجهزة الاقتصادية والمالية، وفي مقدمّتها وزارة الاقتصاد والتخطيط.
إنشرها