Author

نصائح لطلبة الدكتوراه

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
ذكرت في مقال الأسبوع الماضي بعض الفروقات بين رسائل الماجستير والدكتوراه، ولعلي في هذا المقال أتحدث عن بعض النصائح لطلبة الدكتوراه. فمن أصعب ما يواجهه طلبة الدكتوراه خصوصا في بريطانيا، مدى ثقتهم بأن رسالة الدكتوراه ستجاز من قبل المحكمين ويقبلون بها كرسالة دكتوراه. فالمحكمون لديهم خيارات متعددة وغالبيتها خيارات محبطة. هناك خمسة خيارات يجب على اللجنة المتخصصة في تحكيم رسالة الدكتوراه اختيار أحدها: (1) الرسالة ليست لها قيمة علمية ولا يستحق عليها طالب الدكتوراه أي درجة علمية" خيار ممكن وإن كان صعبا". (2) قيمة الرسالة العلمية لا ترتقي لرسالة الدكتوراه، لكن يمكن أن تصل لدرجة الماجستير مع طلب بعض التعديلات على الرسالة أو دون تعديلات. (3) الرسالة ترتقي لدرجة الدكتوراه لكنها تحتاج إلى تعديلات رئيسة، ما يتطلب إعادة مناقشتها بعد فترة زمنية تصل في المتوسط إلى سنة. (4) الرسالة ترتقي لدرجة الدكتوراه لكن تحتاج إلى تعديلات محدودة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. (5) الرسالة مميزة جدا ويستحق عليها الباحث درجة الدكتوراه دون تعديلات "عدد محدود جدا من رسائل الدكتوراه يمكنها أن تصل إلى هذا المستوى". فطالب درجة الدكتوراه لا يعلم قبل مقابلة الممتحنين له ماذا ستقود له هذه المقابلة. فكل الخيارات مفتوحة وممكنة. المتعب نفسيا وبدنيا أن جهد أربع سنين من البحث والجهد سيحكم عليه أشخاص لم يسبق أن قابلهم وإن كانوا متخصصين في موضوع رسالته عمليا، كل ما يطمح إليه طالب الدكتوراه من الخيارات السالفة هو الخيار الرابع، لأن الخيار الخامس شبه مستحيل. أما الخيارات الثلاثة الأخرى فهي خيارات غير مرغوب فيها. فالتحدي الذي يواجهه طالب الدكتوراه كيف يقطع هذه الرحلة الطويلة نسبيا والشاقة ذهنيا وبدنيا بأقل الخسائر النفسية والبدنية. من أهم التحديات الأخرى التي تواجه طالب الدكتوراه، كيفية بناء علاقة مع المشرف الدراسي بصورة تحقق الهدف الرئيس من الدراسة، فسلوكيات مشرفي الدراسة تختلف بصورة كبيرة، لكن غالبية المشرفين يشتركون في النظرة نحو مدى إسهامهم في رسالة لطالب. فدور المشرف منحصر في التأكد من أن الطالب يسير في الاتجاه السليم. من الناحية البحثية، على الطالب عدم توقع الكثير من المشرف. وإن كان على المشرف مطالب بمراجعة ما كتبه الطالب والموافقة عليه قبل تقديم الرسالة للمناقشة. كما أن المشرف لا يحق له الحضور أو الدفاع عن رسالة الطالب، لأن المشرف لا يجيز له النظام حضور مناقشة الطالب. فأحد أهم أهداف رسالة الدكتوراه أنها تعد طالبا قادرا على البحث العلمي بصورة سليمة ومستقلة. لذا فإن كان لي نصح لطلبة الدراسات العليا، فإني أوصيهم بعدم وضع توقعات عالية من المشرف الدراسي، لأن توقعات المشرف الدراسي من الطالب تختلف عن توقعات الطالب من المشرف. المشكلة أن بيئتنا التعليمية تجعلنا نتوقع الكثير من المشرف. هذه الحقيقة تسببت في معاناة كثير من طلبة الدكتوراه. فالبعض يتوقع من مشرفه الدراسي، كما هي توقعاته من أعضاء هيئة التدريس أثناء مرحلة البكالوريوس أو التعليم العام. الحقيقة الغائبة والمرة أن دور المشرف يكمن في كيفية التأكد من أن باحث الرسالة سيكون باحثا مستقلا والتأكد من إضافتها العلمية وأن قيمة الرسالة العلمية يستحق عليها الباحث درجة الدكتوراه. اختلاف التوقعات بين المشرف وطالب دراسة الدكتوراه يقود في كثير من الحالات لاختلافات مستمرة بينهما. لكني أنصح طالب الدكتوراه بعدم معاداة المشرف وكثرة الخلافات معه، لأن هذا الأمر لا يجدي نفعا، بل يضر الطالب بصورة أو بأخرى. بل قد يؤدي لأن يتأخر الطالب في البحث العلمي ومن ثم الحصول على الشهادة. لا شك أن الجامعات عبر أنظمتها تسعى لأن تكون حيادية في صياغة أنظمتها ووضع اللجان التي تضمن حيادية قراراتها، لكن مع ذلك يظل الطالب هو الحلقة الأضعف في المعادلة. لذا فعلى الطالب ألا يعتمد كثيرا على أن النظام التعليمي سينصفه. فإذا لم يستطع بناء علاقة جيدة مع مشرفه فمن الأفضل تركه بهدوء وبعيدا عن الانفعالات. وإن كان لي من نصيحة أخرى، أن أوصي طلبة الدكتوراه بضرورة النشر العلمي قبل موعد مناقشة الرسالة، لأن النشر العلمي في المجالات المحكمة يتيح لطالب الدكتوراه أن يراجع جزءا من رسالته من جهة محايدة ومحكمة قبل أن تراجع من قبل اللجنة المخصصة لتقييم رسالة الدكتوراه. كما أن النشر العلمي يقلل الضغط على الطالب ويزيل جزءا من المخاوف كأن يتم تقييم رسالة الدكتوراه على أن مستواها لا يتجاوز رسالة الماجستير أو أن تتبنى لجنة التحكيم توصيات غير مرغوب فيها كأن تطلب لجنة التحكيم تعديلات جوهرية في الرسالة أو غيرها من المخاوف. ختاما لا شك أن النظامين الإنجليزي والغربي عموما قد لا يقدمان المعلومة مباشرة للطالب وإنما يتيحان للطالب سهولة الحصول عليها. فالمتوقع وفقا للنظام أن الطالب يقرأ كل الأنظمة والإجراءات سواء داخل الجامعة أو خارجها. لذا فالطالب يتحمل نتيجة عدم قراءته لها. فكل شيء غالبا ما يكون مكتوبا وقد لا يُخبَر أحد به. كما أنصح أخيرا طالب الدكتوراه بقراءة نظام الجامعة ونظام التعليم العالي من جهة، ومن جهة ثانية، على طالب الدكتوراه قراءة الكتب المساعدة على فهم طبيعة مرحلة الدكتوراه والخيارات المتاحة لطالب الدكتوراه ككتاب how to get a PhD. تمنياتي لكل الطلبة بالتوفيق.
إنشرها