العالم

لماذا فشل إخوان مصر ونجح حزب العدالة والتنمية التركي حتى الآن؟

لماذا فشل إخوان مصر ونجح حزب العدالة والتنمية التركي حتى الآن؟

لماذا فشل إخوان مصر ونجح حزب العدالة والتنمية التركي حتى الآن؟

أطاح الجيش المصري في الثالث من تموز (يوليو) 2013، بعد احتجاجات شعبية، بالرئيس المعزول محمد مرسي، الذي لم يكن قد مضى على فوزه بمقعد الرئاسة سوى عام واحد. وعلى أثر ذلك، وجدت حركة الإخوان المسلمين نفسها تواجه أزمة غير مسبوقة منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا، انتهت بحظر الحركة وجميع أنشطتها الاجتماعية والسياسية وإعلانها فيما بعد "حركة إرهابية" في الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لكن يبقى السؤال المهم: لماذا فشلت حركة الإخوان في الاحتفاظ بالسلطة على الرغم من فوزها في جميع الانتخابات في مرحلة ما بعد مبارك؟ من وجهة نظر "الإخوان"، فإن فشل حكم مرسي كان نتيجة ما يصفونه "بالدولة العميقة" المتمثلة في أجهزة الجيش والشرطة، والبيروقراطية، ووسائل الإعلام، والقضاء. فقد سعت "الدولة العميقة"، من وجهة نظر "الإخوان"، خلال حكم مرسي إلى تقويض أركان حكمه، والتحضير للإطاحة بحكم "الإخوان" عن طريق العمل الفَعَّال على تنامي السخط العام من خلال القطع المتواصل للكهرباء ومواد الطاقة وإشاعة الفوضى الأمنية والاجتماعية. ويرجع بعض المحللين لجوء الحركة إلى تبني هذا الخطاب لتجنب اللوم والمساءلة، والأهم من ذلك إقناع الشعب المصري بشكل عام ومؤيديها بشكل خاص بأن "الانقلاب" كان لا مفر منه. ومن المفارقات أن مصطلح الدولة العميقة يتداول منذ فترة طويلة عند التعاطي مع حركة الإسلام السياسي في تركيا، ومع ذلك فقط استطاع حزب العدالة والتنمية (المنتمي لحركة الإسلام السياسي) توسيع قاعدته الانتخابية من 34 في المائة في انتخابات عام 2002 إلى 50 في المائة في انتخابات عام 2011. ومن هنا، فإن تسليط الضوء على تجربة حزب العدالة والتنمية مفيد لتحليل وفهم إخفاق "إخوان مصر". ومن أجل فهم أوسع لأسس هذه المقارنة التي ننوي عقدها، فإن لنا أن نستدعي بعض المقولات النظرية لمايكل مان، الذي يعد من أبرز علماء الاجتماع في الوقت الحاضر؛ حيث يجادل مان في كتابه "مصادر القوة الاجتماعية" الصادر عام 1986 بأن الأيديولوجية يمكن أن تولد قوة اجتماعية قادرة على تحدي الشبكات المهيمنة على السلطة، في حال كانت قادرة على توحيد مجموعات اجتماعية مختلفة تجاه هدف محدد، وتجاوز الصراعات الاجتماعية والانقسامات الإثنية أو الدينية. ومقارنة بغيرها من شبكات القوة سواء الاقتصادية، أو السياسية، أو العسكرية تمتلك الأيديولوجية القوة على الانتشار وبسط نفوذها على نطاق واسع في جميع أنحاء المجتمع، بين الجماهير، وحول العالم. كما أنها تستطيع أن تولد "سلطة مقدسة" في حال تم تحويلها إلى مؤسسات اجتماعية وسياسية جديدة قادرة على طرح حلول للتناقضات الطبقية، والصراعات الاجتماعية والإثنية. ويمكن القول إن هذا المبدأ قد تأكد مع التحولات "الأيديولوجية" التي تبناها حزب العدالة والتنمية بعد انفصاله عن حركة الاتجاه الوطني - الملي جوروش - بزعامة نجم الدين أربكان في عام 2001. فمن خلال تبني رسالة سياسية "ليبرالية"، وإنْ كانت في عمقها محافظة، سعى قادة الحزب لتوسيع جاذبيته وتشكيل ائتلاف مع الليبراليين والإصلاحيين في الداخل والخارج على حد سواء. فبدلاً من تبني خطاب قائم على تطبيق الشريعة الإسلامية – كما فعل "الإخوان المسلمون"- يمكن أن يكون من شأنه أن يؤدي إلى خسارة الحزب في الانتخابات أو تعرضه للحظر من قبل المحكمة الدستورية العليا كما تم من قبل مع حزب الرفاه، ركز الحزب على توسيع دائرته الانتخابية وبناء شبكة من المصالح الاقتصادية، والسياسية القوية، وذلك من خلال إدراج الحزب مطالب قطاعات واسعة من الأتراك ضمن برنامجه السياسي. ففي تمايز واضح بين إسلاميي تركيا و"إخوان مصر"، زاد حزب العدالة والتنمية من قدرته على تعبئة الشعب التركي بعد أن تجاوز مواقف أربكان التقليدية وتبنى مواقف أيديولوجية جديدة بهدف إعادة تشكيل الصراعات الأيديولوجية على أساس سياسي وقبول العلمانية كإطار للحكم والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع التركي. وعلى أثر ذلك، وسّع الحزب خطابه ليشمل قطاعات اجتماعية وأيديولوجية مختلفة شملت الناخبين المحافظين، والليبراليين والقوميين. فقد طرح الحزب مظلة أيديولوجية واسعة استطاعت استيعاب وتجاوز الصراعات الطبقية والعرقية. فعلى النقيض من أربكان والأحزاب العلمانية التركية، مثّل الحزب تقريباً كافة قطاعات المجتمع، فقد ضم الأتراك والأكراد، وسكان الريف، والتجار، ورجال الأعمال، والبرجوازية العليا والمتوسطة، وأصحاب المحال الصغيرة والحرفيين، وصغار التجار في المدن والأحياء الفقيرة، وذلك في محاولة لبناء قاعدة دعم شعبي قوية في جميع المدن التركية. ظهر ذلك بشكل جَلِيّ في الانتخابات البرلمانية في عام 2002، فبعد 14 شهراً فقط من تأسيس الحزب في آب (أغسطس) 2001 تمكن الحزب من الفوز بأصوات 34 في المائة من الناخبين أي 363 مقعداً من أصل 550. وبسبب خطابه المقنع قدم "العدالة والتنمية" رؤية بديلة استطاعت أن تعبئ شرائح واسعة من الشعب التركي. ففي الانتخابات المحلية عام 2004 استطاع الحزب السيطرة على الأغلبية العظمى من المحافظات التركية كما يظهر من نتيجة الانتخابات. وبهذا الفوز تطور الحزب إلى قوة سياسية على الصعيد الوطني وعزز مواقعه في السلطة والتحكم في شبكات القوة السياسية والاقتصادية. وبعد خمس سنوات من انتخابات عام 2002 البرلمانية، زاد الحزب نصيبه من أصوات الناخبين إلى 46 في المائة. وكشفت هذه النتيجة أن الحزب كان قادراً على توسيع شعبيته خاصة في المناطق ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق الأناضول. إضافة إلى ذلك، زاد دعم الحزب في أكبر خمس مدن تركية، حيث توسعت قبضة الحزب لتشمل مراكز المدن الكبرى، وبالتالي، مهدت انتخابات 2007 الطريق للحزب لزيادة قوته سواء في الدولة أو المجتمع لتحل تدريجيا محل مصادر قوة النظام الكمالي الأتاتوركي، وإضعاف القوة العسكرية الاستبدادية، والوصول إلى مراكز القوة. وبعد ما يقرب من عشر سنوات من فوزه في الانتخابات عام 2002، أصبح حزب العدالة والتنمية الحزب الأكثر نجاحا في تاريخ نظام التعددية الحزبية في تركيا، الذي تشكلت نواته الأولى في منتصف أربعينيات القرن الماضي. فخلال انتخابات عام 2011 أصبح فوز الحزب أكثر وضوحا بعد فوزه الساحق في الانتخابات بما يقرب من 50 في المائة من الأصوات و326 مقعدا، أي أن من كل مواطِنَين تركِيَين يحق لهما الانتخاب صوت واحد للحزب. ويمكن فهم هذا على أنه كان تفويضا واضحا للحزب لوضع نهاية للنظام القديم، وتشكيل تركيا الجديدة. على النقيض من تجربة حزب العدالة والتنمية، الذي حاول بناء قاعدة عريضة من المؤيدين من خلال تطوير خطابه الأيديولوجي ليشمل قطاعات واسعة من المجتمع التركي، لم يستطع "الإخوان" توسيع قاعدتهم الشعبية خارج نطاق مؤيديهم من الإسلاميين. فبعد أشهُر قليلة من "الثورة" الشعبية التي أطاحت بنظام مبارك، تبدلت روح ميدان التحرير بشكل كبير، التي كانت تجمع قطاعات عريضة من الشعب المصري سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين، ما أدى إلى انقسامات عميقة بين القوى الثورية التي أسهمت في الإطاحة بنظام مبارك. فقد واجه المجلس العسكري الذي تولى مقاليد الحكم بعد تنحي مبارك معضلة كبرى، فقد كان لزاماً على "المجلس" أن يقرر إما الشروع في الانتخابات الرئاسية والتشريعية من أجل إنهاء حكم الجيش بعد الثورة أو تأجيل الانتخابات وإعطاء الأولوية لكتابة دستور جديد. ومن هنا، فقد قرر المجلس العسكري تعديل دستور عام 1971 أولا قبل الانتخابات، وهي الخطوة التي لاقت ترحيباً شديدا من قبل "الإخوان" الذين كانوا يسعون إلى جني ثمار الثورة. فبعد "الثورة" وانهيار الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، كان "الإخوان" الفاعل السياسي الوحيد القادر على السيطرة وضبط حركة الشارع. أما الأطراف الأخرى فقد كانت مشتتة أو في بعض الأحيان يجب أن تبدأ من نقطة الصفر، كما كان حال معظم الحركات الشبابية التي أشعلت الاحتجاجات ضد مبارك. وفي حين فضلت القوى الثورية كتابة دستور جديد قبل الانتخابات، دعم "الإخوان" خطة المجلس العسكري، وتخلوا عن احتجاجات الشارع، واتخذوا قراراً بالشروع في الحملة الانتخابية على الرغم من أن ذلك كان يعني إحداث شرخ مع القوى الثورية والحلفاء السابقين. ولأن الجماعات العلمانية والليبرالية كانت تخشى الإسلاميين نسبياً - الأفضل تنظيما والأكثر عددا - فقد فضلت تأجيل الانتخابات، وذلك بهدف الحصول على حصة أكبر في كتابة الدستور الجديد قبل الانتخابات. وبالتالي، عارضت الجماعات العلمانية والليبرالية خطة المجلس العسكري ودعت إلى التصويت بـ "لا" على التعديلات الدستورية. وقد كان من شأن هذا أن أدى ليس إلى الانقسام السياسي داخل القوى الثورية فحسب، بل أيضا إلى ظاهرة جديدة - حسبما يعتقد الباحث جورج فهمي في مقالة منشورة على موقع مبادرة الإصلاح العربي – هي زيادة الاستقطاب على أسس دينية علمانية. و لم يَحُلّ منتصف عام 2011، حتى بلغت الانقسامات بين "الإخوان" وائتلافات الشباب والجماعات العلمانية والليبرالية ذروتها. فبعد عدة مليونيات سابقة شهد يوم 29 تموز (يوليو) خروج أعداد هائلة من الناس لم تبلغ في كثافتها ذلك المستوى منذ الإطاحة بمبارك. وفي هذه المظاهرات هتف المتظاهرون "إسلامية، إسلامية لا علمانية ولا ليبرالية" ودعوا إلى إنشاء دولة إسلامية والتمسك بالشريعة الإسلامية، رداً على وثيقة السلمي نائب رئيس الوزراء وقتها، التي كانت تعطي الجيش وضعا مميزاً في النظام السياسي المصري. لقد أصبح واضحا بعد مظاهرة 29 تموز (يوليو) أن انقساماً حاداً أصبح عنوان المرحلة المقبلة ما بين القوى المدنية والإسلامية. فعلى الرغم من أن المظاهرة كانت سلمية إلا أنه تم إسكات أصوات قلة من المعارضين العلمانيين الذين حضروا، وهو ما دعا عديدا منهم إلى الانسحاب من المظاهرة. لم يسعَ الإخوان إلى استبعاد حلفائهم الليبراليين والعلمانيين السابقين فحسب، بل عمدوا إلى إقصاء الإصلاحيين داخل الحركة نفسها. فبسبب عدم المرونة الأيديولوجية والتنظيمية، فقدت الحركة بعض الإصلاحيين والفاعلين الشباب، الذين شاركوا في الإطاحة بنظام مبارك. فقد فضل عدد من أعضاء الحركة الشباب أن تتبنى الحركة مواقف أكثر اعتدالاً وليبرالية في مرحلة ما بعد مبارك. وعندما فشلت جهودهم انفصلوا عن الحركة وأسهموا في تشكيل حزب سياسي جديد أطلق عليه حزب التيار المصري، الذي يدعو إلى الفصل ما بين المكونين الديني والسياسي. والمعلوم أن عديدا من قيادات هذا التيار كمحمد قصاص وإسلام لطفي ومحمد عباس قد لعبوا دوراً بارزاً في قيادة اليوم الأول من الاحتجاجات المناهضة لمبارك. لقد أدى هذا ليس فقط إلى زيادة انغلاق الحركة على نفسها، بل أيضاً إلى تهميش جميع القيادات التي سعت للتغيير، وتوسيع قاعدة الحركة لتضم تحالفات أخرى غير إسلامية. فقد كان بمقدور هؤلاء الأشخاص مساعدة "الإخوان" على نسج علاقات وتحالفات مع شرائح واسعة من المجتمع المصري خارج الإطار الإسلامي، وذلك بسبب المرونة التي يتمتعون بها. وعلى نقيض حزب العدالة والتنمية التركي، الذي سعى إلى احتواء التناقضات والاستقطابات الأيديولوجية، أدى الجمود الأيديولوجي لـ "الإخوان" وتحالفهم مع السلفيين إلى تقسيم المجتمع المصري بشكل حاد ما بين إسلامي وعلماني. ففي مرحلة ما بعد مبارك، عجز "الإخوان" عن طرح أفكار كانت كفيلة بالتخفيف من الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ما أدى إلى زيادة الاستقطاب والانقسامات داخل المجتمع المصري على ثنائيات مرتبطة بالدين "مسلم - قبطي" أو انشقاقات أيديولوجية "ليبرالي وعلماني مقابل إسلامي". فعلى سبيل المثال، أدى استخدام "الإخوان" الدين بشكل تكتيكي في الدعاية للاستفتاء على الدستور في آذار (مارس) 2011 وتحالفهم فيما بعد مع السلفيين إلى زيادة آثار الانقسام الديني والسياسي وتآكل المساواة بين المواطنين على أساس الحقوق والواجبات. ويمكن القول إنه بعد أشهر عدة من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك كانت حركة "الإخوان" تتمتع بحضور قوي بين أوساط الشعب المصري، وهو ما جعلها تشعر بأنها لم تعد في حاجة إلى التحالف مع الجهات الفاعلة غير الإسلامية. وعندما كانت قوتهم تزيد ونتيجة لمجموعة من الأسباب المختلفة، ربط "الإخوان" مصيرهم أكثر فأكثر بالجماعات السلفية التي كانت تسعى إلى إقامة دولة إسلامية، واستخدمت خطاباً يكفر كل من يعارضها سواءً من العلمانيين أو الأقباط. #2# إن حركة "الإخوان" – بدافع من قوتها وحضورها في المشهد السياسي المصري وفي أوج تلك النشوة بعد حرمان طويل - لم تحاول التخفيف من حدة هذا الاستقطاب، بل تماهت مع هذا الخطاب، ما جعل الفارق بينها وبين خطاب الحركات السلفية يبدو غير موجود. عمل هذا السلوك على تأجيج وتيرة الاستقطاب بين الجماعات الإسلامية من جهة والعلمانية والليبرالية من جهة أخرى، كما عزز هذا الاستقطاب تخوفات الأقليات وبخاصة الأقباط بأنهم أقلية محدودة تحت خطر الهيمنة المتزايدة للإسلاميين. إن عدم قدرة "الإخوان" على تجاوز عقيدتهم الأيديولوجية قيدت قاعدتهم الانتخابية من التوسع خارج أسوار الولاء العقدي والتنظيمي. وهو ما بدا واضحاً في الانتخابات الرئاسية في حزيران (يوينو) 2012؛ فقد أشارت نتائج الجولتين الأولى والثانية إلى أن "الإخوان" فشلوا في توسيع نطاق قاعدتهم الانتخابية إلى ما بعد قاعدتها الصلبة –الإسلاميين-. وعلى الرغم من أن مرسي استطاع أن يحصل على أعلى عدد من الأصوات في الجولة الأولى من التصويت، إلا أن نتيجة الانتخابات شكلت ضربة قوية لـ "الإخوان" ومناصريهم، وأظهرت تراجعا واضحا في شعبيتهم قدرت بنحو خمسة ملايين صوت ما بين الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى حزيران (يونيو) 2012. ومقارنة بالانتخابات البرلمانية خسر "الإخوان" ما يقارب نصف الأصوات التي حصلوا عليها قبل ستة أشهر. وعلى الرغم من تأمين دعم جميع الحركات الإسلامية في الجولة الثانية، لم يفز مرسي إلا بـ 51.73 في المائة – مقارنة بنسبة 65 في المائة التي حصل عليها التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية، في حين حصل أحمد شفيق، الذي كان آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، على 48.27 في المائة. وبقراءة نتائج هذه الانتخابات يصبح من الواضح أن جماعة الإخوان المسلمين فشلت في توسيع قاعدتها الانتخابية وبناء تحالفات سياسية قوية وفاعلة في مواجهة النظام السابق وأجهزته المختلفة، وهو ما سهل بشكل كبير عملية عزل مرسي من قبل الجيش المصري. إن نجاح حزب العدالة والتنمية لم يكن متاحاً لولا قدرة الحزب على تبني خطابا أيديولوجيا استطاع أن يلبي احتياجات قطاعات واسعة من الشعب التركي، التي قامت بدورها بانتخاب الحزب وتجديد ثقتها به في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية على الرغم من وجود "الدولة العميقة" التي حاولت الإطاحة بالحزب في أكثر من محطة. ومقارنة بتجربة "الإخوان"، فإن الدولة العميقة وبقايا النظام السابق لم يكن بمقدورها الإطاحة بـ "الإخوان" لولا بعض الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبوها وعدم قدرتهم على تجديد خطابهم الأيديولوجي ليضم شرائح واسعة من الشعب المصري. فبعد انتفاضة 25 يناير، كانت هناك فرصة فريدة لـ "الإخوان" لتوسيع هيمنتهم على مصادر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، غير أنهم لم يتمكنوا من انتهازها للأسباب التي أوردناها، ولعل أهمها التنشئة السياسية الدوغمائية الصلبة. فقد فشلت الحركة في إحداث تغيير جذري في نهجيها الأيديولوجي والتنظيمي، ما أدى ليس إلى تراجع الدعم الشعبي العام فحسب، بل كانت نتيجته خسارة تحالفات مؤثرة مع شريحة واسعة من الشباب الثوري الذين أطلقوا شرارة الاحتجاجات ضد مبارك، وأيدوا مرسي في الانتخابات الرئاسية ضد شفيق. في ضوء تلك المعطيات كلها فقد كان من دواعي البراجماتية السياسية الضرورية أن يقبل "الإخوان" القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى، وأن يتعاملوا معها على قدم المساواة، غير أنهم كانوا مترددين في انتهاج ذلك السلوك إلى آخر لحظة من وجودهم في السلطة. * باحث متخصص في دراسات الشرق الأوسط، ويعمل باحثا في مركز إرلانجن لدراسة الإسلام والقانون في أوروبا، وألمانيا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم