Author

بناء الجسور نحو المستقبل في بلدان مجلس التعاون الخليجي

|
سعدت فى بداية هذا الأسبوع بزيارة الكويت - إحدى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وقد كانت زيارة سريعة شاهدت فيها أماكن عديدة وقابلت الكثير من الشخصيات، في هذا الركن المزدهرً من أركان الاقتصاد العالمي. واستقبلتني الكويت بتقاليدها المتأصلة في كرم الضيافة والتي تمثل شاهداً على حضارتها العريقة والنبيلة. وقد بهرتني مجموعة القطع الفنية الرائعة الخاصة بآل الصباح، والتي شاهدتها في المركز الثقافي الذي يحمل اسم “دار الآثار الإسلامية” والذي تم ترميمه بدقة بالغة. وأعود إلى الأمور الاقتصادية، فأقول إن دول المجلس — البحرين والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة — تتمتع بمستويات معيشية من أعلى المستويات في العالم. وقد أصبحت المنطقة أيضاً وجهة رئيسية للعمالة الأجنبية ومصدراً لتحويلات العاملين إلى أسرهم في بلادهم الأصلية، كما أنها مركز مالي ومحور للتجارة الدولية وخدمات الأعمال. ومع ذلك، فهناك تحديات أمام دول مجلس التعاون الخليجي؛ فعلى هذه الدول أن تجد مصادر جديدة للإنتاجية والرخاء في القرن الحادي والعشرين. وكما شهدت بنفسي أثناء الاجتماعات مع صناع السياسات والطلاب والنساء، أستطيع القول بأن هذه المسألة تمثل قضية حيوية في الكويت. وكلهم اتفقوا على أن المنطقة تحتاج إلى البناء على مكاسبها، وأن ذلك ينبغي أن يبدأ الآن. ما معنى هذا؟ معناه الادخار للأجيال القادمة، وتنويع الاقتصادات وخلق فرص عمل للمواطنين في القطاع الخاص. ومعناه الاستثمار في المهارات والتعليم، حتى يستطيع الجميع، البنين والبنات، والرجال والنساء — تحقيق ما لديهم من إمكانات وعَيش حياة مجزية مثمرة. الادخار للأجيال القادمة يستطيع معظم دول مجلس التعاون الخليجي القيام بمزيد من الجهد للادخار من عائداتها النفطية الاستثنائية للأجيال القادمة. وقد بدأ بعضها في تخفيض الإنفاق العام هذه السنة بالفعل. وفي الفترة المقبلة، ينبغي أن تركز السياسات على زيادة احتواء الإنفاق الجاري — مع الحد من تأثير ذلك على النمو ودعم العدالة الاجتماعية. ويعني هذا أنه يتعين على الحكومة أن تجد السبل الكفيلة بكبح النفقات التي يصعب التراجع عنها (الأجور والدعم) واستهداف الإنفاق على الاستثمارات الرأسمالية والبرامج الاجتماعية عالية الجودة. الاستثمار في التعليم ونظراً لأنني ابنة لأستاذيين جامعيين، فأنا أؤمن إيماناً راسخاً بالقوة العجيبة التي يتميز بها التعليم. والعالم العربي كان من الرواد الأوائل في مجال البحث العلمي، منذ أيام الحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهما. إنه تراث المنطقة ويمكن أن يشكل مستقبلها أيضاً. ولا شك أن المنطقة قطعت خطوات واسعة إلى الأمام. فقد شهد عدد سنوات تعليم الطلاب في المدارس زيادة كبيرة على مدار العقد الماضي. لكن هناك مسافة باقية يتعين أن تقطعها حتى يستطيع المواطنون التنافس على الوظائف في الاقتصاد العالمي. ومن الملاحظ أن الدرجات التي يحصل عليها الطلاب في الرياضيات والعلوم لا تزال منخفضة نسبياً، كما أن المهارات المكتسبة لا تتسق مع متطلبات القطاع الخاص فى الوقت الحالى. تشجيع التوظيف فى القطاع الخاص وقد يسأل سائل عن الداعي لهذا المجهود. والإجابة أن الإنتاجية – المحرك الرئيسي للنمو طويل الأجل – تراجعت أو أصابها الجمود. ومن أهم أسباب ذلك ميل الخريجين إلى تفضيل الملاذ الآمن الذي يمثله القطاع العام، بدلاً من خوض تجربة العمل في القطاع الخاص بما تحمله من مخاطر. وعلى مدار العقد الأول من هذا القرن، وفرت دول الخليج حوالي 5.5% مليون وظيفة في القطاع الخاص، حصل الوافدون على حوالي تسع وظائف من كل عشر منها. وليس في هذا ما يبشر بخير للمستقبل. فإذا استمرت الاتجاهات العامة الحالية، سيقتصر عدد المواطنين الذين يجدون وظائف في القطاع الخاص على ثلث إلى نصف المنضمين إلى القوى العاملة بحلول عام 2018. لكننا نعلم جميعاً أن اقتصاد الغد الديناميكي لن يتحرك بقيادة قطاع عام متضخم. وتستطيع الحكومات زيادة جاذبية العمل في القطاع الخاص عن طريق التوقف عن فتح أبواب التوظيف في القطاع العام على مصراعيها في الظروف الصعبة، وكذلك اتخاذ تدابير لدعم الرواتب في القطاع الخاص — بما في ذلك تيسير التدريب أثناء العمل وتقديم نظام تعليمي مزدوج يجمع بين البرامج التدريبية في المجالات المتخصصة والتعليم المهني الرسمي. ويمكن أن يكون دعم الأجور الموجه بدقة إلى المستحقين أداة مساعدة أيضاً، على الأقل بصفة مؤقتة. وكما قلت للطلاب في جامعة الكويت، ينبغي للخريجين أن يقوموا بدورهم أيضاً. فينبغي أن يكونوا مستعدين لخوض تجربة العمل في القطاع الخاص. وأعلم أنه ليس أمراً سهلاً – فقد خضت هذه التجربة بنفسي حين كنت محامية فى بداية حياتى المهنية – لكنه سيعود بالنفع عليهم شخصياً وعلى بلادهم. المرأة والنمو الاقتصادي تضطلع المرأة بدور مهم في مستقبل المنطقة. وفي هذا الصدد، تعتبر الكويت نموذجاً يحتذى. فممشاركة المرأة في القوى العاملة هي الأعلى في منطقة الخليج، وتضم دولة الكويت عدداً من ألمع النساء في العالم وأكثرهن تعليماً وإبداعاً، وقد سعدت بلقاء بعضهن أثناء زيارتي. وفي وجود كفاءات بشرية على هذا المستوى الرفيع، أعلم أن مستقبل المنطقة في أيد أمينة. والسماح بأن تشارك المرأة مشاركة كاملة في الحياة الاقتصادية يمكن أن يعود بمنافع اقتصادية هائلة — حسبما ورد في دراسة أصدرها الصندوق مؤخراً. وهذا مجال لا تزال منطقتكم ككل متأخرة فيه عن الركب. فبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها، بلغت الفجوة بين الذكور والإناث من حيث المشاركة في القوى العاملة على مدار العِقد الماضي حوالي ثلاثة أضعاف متوسط الفجوة في اقتصادات السوق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولو كانت هذه الفجوة ضِعْفين فقط بدلاً من ثلاثة أضعاف، لتمكنت المنطقة بالكامل، بما فيها منطقة الخليج، من تحقيق مكاسب هائلة – ناتج تعادل قيمته حوالي تريليون دولار، وهو ما يصل إلى مكاسب سنوية قدرها 6% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي. ونظراً للمخاطر المحدقة، فان الوقت قد حان لتحطيم العقبات التي تقف أمام تقدم المرأة. ويمكن تحقيق ذلك بضمان سهولة حصول كل الفتيات على التعليم عالي الجودة، وبإلغاء القيود على دور المرأة الاقتصادي – أي حرية انتقالها، ومشاركتها في قطاعات معينة، وحقوق ملكيتها – وبالنص على مبدأ المساواة في الأجر للعمل المماثل، وبإتاحة خيارات حقيقية للآباء والأمهات من خلال برامج الأمومة/الأبوة الملائمة وبرامج رعاية الطفل عالية الجودة. وخلاصة القول أن منطقة الخليج والعالم العربي ككل يمتلكان إمكانات هائلة تقوم على تراث عظيم. ولبناء جسور إلى المستقبل، ينبغي للمنطقة أن تعمل على زيادة الادخار، وزيادة تنويع الاقتصاد، والاستثمار في سكانها الشباب المليء بالحماس والحيوية. وصندوق النقد الدولي على استعداد للوقوف بجانب المنطقة في جهودها لبناء تلك الجسور.
إنشرها