Author

زحمة أثرياء في لندن

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«لا يمكن للثري مهما كان فاحش الثراء.. شراء ماضيه» أوسكار وايلد - أديب أيرلندي سيزداد عدد الأثرياء في بريطانيا حتماً. أما لماذا حتماً، فلأن تدفقات مالية جديدة بدأت تدخل البلاد، قادمة من الدول الناشئة، التي تواجه سلسلة من المصاعب، في مقدمتها ارتباطها شبه المباشر بالسياسات الاقتصادية الأمريكية المتغيرة. في غضون أسابيع، خرج من هذه البلدان أكثر من 12 مليار دولار، وهي الفترة التي شهدت بدء الاضطراب الاقتصادي، الذي لم يلبث أن تحول إلى ما يشبه أزمة، طالت النمو والعملات الوطنية والأسواق المالية. وهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن شبه الأزمة سيتحول إلى أزمة، ستتعمق أكثر في الدول التي تمر بحالة من عدم الاستقرار السياسي. بريطانيا (ولندن تحديداً) في الصورة، ولكنها في الإطار الإيجابي. فالمشاكل هناك تعني تدفقات مالية هنا، وتعني بالتالي توافد الأثرياء.. أهلاً وسهلاً. تذكرت مقولة شهيرة لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون "هناك أثرياء في كل الأرجاء، ولكنهم لا يساهمون في الواقع بالنمو في بلدانهم". وقد أرادت (وقتها) توجيه رسالة مباشرة لأثرياء بلادها، الذين تتهمهم بصورة غير مباشرة، بأن وطنيتهم منقوصة. وإذا كان الرئيس الأمريكي الراحل جون كيندي "يتفق" مع كلنتون حين قال أيضاً مقولته الشهيرة "إذا كان المجتمع لا يستطيع أن يساعد الفقراء الكثر، فهو لا يستطيع أن يحمي الأثرياء القلة". وأما رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرتشل فيرى الأمر بصورة مختلفة، ولا أقول مغايرة حين قال "لا تستطيع أن تجعل من الفقير ثرياً، بتفقير الثري". إنها رؤى، قد لا تتضارب، ولكنها بالتأكيد مختلفة من حيث طريقة معالجة مسألة الثري والفقير، الحاضرة في البلدان الغنية والفقيرة. دون أن ننسى، الاختلافات في منطلقات الديمقراطيين والمحافظين. تستمتع بريطانيا حالياً بوضعية اقتصادية جيدة، فهي ليست ملوثة بأدران أزمة ديون منطقة اليورو، كما أن الفاصل الذي وضعته على الحافة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وفر لها بيئة اقتصادية أكثر هدوءا من تلك التي يعيش فيها شركاؤها الأوروبيون. وهذا ما عمق من وضعيتها كمستقبِلة لتدفقات مالية من أثرياء يأتون من كل حدب وصوب. فمرونة القوانين الاستثمارية وتلك المتعلقة بالتملك وغيرها، تجعل الساحة البريطانية مغرية دائماً. وهي كذلك منذ عقود. فليس غريباً، أن تتدفق الأموال من شرق آسيا ومن تركيا وروسيا وغيرها من البلدان الناشئة، وحتى من الولايات المتحدة، وعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي نفسه إلى بريطانيا، وتحديداً عاصمتها. هذه الأخيرة ظلت دائماً عاصمة الأثرياء الأولى، ولا بأس من أعداد كبيرة من اللاجئين الباحثين عن حياة أفضل، لتتجمل الصورة. فهي في النهاية مدينة لكل الشرائح، من كل الأجناس والأعراق. قبل أيام كشفت دراسة حديثة، أعدتها مؤسسة "نيو وورلد ويلث"، عن تصدر لندن قائمة المدن في العالم من حيث عدد المليونيرات بنهاية عام 2013 بنحو 339.2 ألف مليونير. وجاءت مدينة نيويورك ثانياً بـ 300.1 ألف مليونير، ثم طوكيو بـ 226.5 ألف مليونير، تلتها سنغافورة في المركز الرابع بـ 225 ألفا، وفي المركز الخامس هونج كونج بـ164.5 ألف مليونير. وفي ظل الأزمة المتصاعدة في الأسواق الصاعدة، سيتزايد عدد هؤلاء في العاصمة البريطانية، التي أظهرت مؤشرات جديدة، ارتفاع عدد مشتري العقارات الفاخرة، رغم أن أسعارها تعتبر عالية بصورة فلكية، فضلاً عن ارتفاع نسبة الأعمال الجديدة فيها. دون أن ننسى، أن بعض أثرياء اليوم القادمين إلى لندن، لم يكونوا كذلك بالأمس. لنتذكر قليلاً بعض المصادر المريبة لأموالهم. وبعيداً عما قالته منظمة "أوكسفام" الخيرية العالمية، عن سيطرة 85 ثرياً في العالم على ثروات تعادل ثروة نصف سكان الكرة الأرضية، وأيضاً، إن نصف ثروة العالم المقدرة بـ 110 تريليونات دولار يستحوذ عليها 1 في المائة فقط من السكان.. بعيداً عن هذا، فإن العاصمة البريطانية يمكنها أن توفر بالفعل متطلبات الأثرياء القدماء أو الجدد. وهي في النهاية ملاذ آمن استثمارياً وعقارياً وحتى أمنياً فيما لو قورنت بمدينة كنيويورك. ليس مهماً ما يقوله الوطنيون البريطانيون "جداً"، من أن البلاد باعت نفسها للأجانب. في الواقع، أن حراكاً كبيراً يمضي في البلاد بأموال الأجانب وبهم شخصياً. مثل هؤلاء "الوطنيين" موجودون في كل مكان حول العالم. وهم يثيرون زوابع موسمية أكثر منها مستدامة، وفي ظل حكومة حققت إنجازات اقتصادية مقبولة، قياساً بحكومات الدول الأوروبية الأخرى، فإن زوابع هؤلاء لا تخرج عن إطارها الإعلامي. إذا ما تدهورت الأوضاع كثيراً في الدول الناشئة، فقد يصل عدد المليونيرات في بريطانيا إلى نصف مليون مليونير، وستبقى لندن الحاضن الأقوى لهؤلاء. وإذا كانت الحكومة لا تلقي بالاً لمناوشات "الوطنيين"، فإنها قد تكون مطالبة لاحقاً في تقديم إيضاحات عن مصادر بعض هذه الأموال التي تتدفق إليها، خصوصاً في ظل حراك عالمي متأجج لتتبع مصادر أموال هائلة، تفوح منها الروائح الكريهة. لا أحد يستطيع أن يتهم حكومة بريطانيا بهذا الأمر. ولكن الأسئلة الكثيرة قد تظهر في أي وقت، وتستوجب أجوبة كثيرة أيضاً.
إنشرها