Author

الحوكمة ضرورة وليست ترفا

|
تبني ما تثبت كفاءته وفعاليته ضرورة حتمية للبقاء والاستمرار في البيئات الاقتصادية. فليس من قبيل الصدفة أبدا أن تكون الشركات الأكثر ربحية والأكثر إنتاجية والأكثر ابتكارا وأداء هي أكثر الشركات شفافية والأعلى درجة في الإفصاح والأكثر انضباطا في التقيد بتطبيق معايير الحوكمة. تبني معايير الحوكمة من قبل شركات القطاع الخاص دليل وعي فكري في قيادات القطاع الخاص، وعي يدل على قدرة القطاع الخاص في النهوض باستقلالية عن الدعم، نهوض تنهض معه قدراتنا على التنافس، والابتكار، في عالم لا بقاء فيه إلا للقوي. قوة اقتصادنا نتاج طبيعي للنضج الفكري الاقتصادي والحضاري "وكل منهما مكمل للآخر" لعقليات القائمين عليه، وتبني معايير الحوكمة إحدى مؤشرات هذا النضج الفكري. تبني معايير الحوكمة ضمانة للاستمرارية، وعامل مهم يساعد، مع عوامل أخرى، منشآت القطاع الخاص في اتخاذ القرارات السليمة، التي ستساهم في ربحيتها ونموها واستمرارها. مؤشر الحوكمة، الذي ما زال في بداياته، والذي تتبناه الهيئة العامة للاستثمار مع التعاون مع جامعة الفيصل ومعهد مجالس الإدارة الخليجي وصحيفة "الاقتصادية"، نقطة بداية مهمة ويعطي قوة دفع لتتنافس الشركات في تبني الحوكمة، ومن المهم جدا أن تقابل قوة الدفع هذه قوة جذب من منشآت القطاع الخاص سواء المدرجة أو غير المدرجة. فعدم تبني الحوكمة من الشركات مؤشر سلبي على أن منشآتنا التجارية، التي تتحكم في مستقبلنا الاقتصادي "بطبيعة الحال"، لا تعمل بأسلوب إداري ثبت أنه يزيد من القدرة التنافسية للمنشأة، وهذا يعني أن هناك مساحة مهدرة غير مستغلة، وأنه باستغلالها ستزيد كفاءة الإدارة في اتخاذ القرارات الصائبة. ويخطئ من يعتقد أن تبني معايير الحوكمة مقتصرة على الشركات المساهمة أو الكبيرة فقط، الحوكمة مهمة للجميع سواء الشركات العائلية أو الشركات المدرجة أو غيرها من شركات القطاع الخاص. تبني الحوكمة ضرورة لتفادي النهايات المأساوية، التي تكبد الاقتصاد سنين طويلة من العمل المضني كما تكبد الأفراد خسائر مادية ومعنوية أيضا. الحوكمة لم تعد خيارا، حتى للمقرضين، الذين يريدون معرفة جودة إدارة المقترضين، ومدى قدرة منشآتهم على الاستمرار، والصمود، في ظل بيئة اقتصادية معقدة التركيب وحادة التنافس. وسواء كنا نتكلم عن شركات خاصة أو عامة، متوسطة الحجم أو كبيرة، قديمة أو حديثة، مالية أو صناعية أو خدمية، تبقى الحوكمة الضمانة الأكفأ لجودة الإدارة، إدارة كفؤة، منتجة، قادرة على اتخاذ القرار الصائب، والذي يصب في مصلحة الملاك والاقتصاد على حد سواء. إدارة تستطيع المنافسة والإبداع والابتكار وتحقيق التنمية التي نطمح ونسعى لها. والحقيقة المثبتة بالتجربة الدولية، أن الخلطة السحرية في استمرارية شركات القطاع الخاص لسنين بل وحتى لأجيال، هو إحكام تطبيق الحوكمة، "مع عوامل أخرى بطبيعة الحال". وشخصيا لا أجد سببا حقيقيا في عدم تبني معايير للحوكمة سوى الكسل. فالبين والواضح أن العمل بلا معايير أسهل من العمل بمعايير "مهما كانت المعايير". إلا أن نتائج الأداء بتبني المعايير هنا "الحوكمة" يستحق منا كل جهدا إضافيا، فالإيجابية لن تتوقف عند الملاك والمساهمين، بل ستتعدى ذلك لتمتد لاقتصادنا وكفاءته ككل. تبني مؤشر للحوكمة من قبل الهيئة العامة للاستثمار مؤشر هو الآخر على تطور العقلية الإدارية الحكومية، وهذا يستحق الإشادة. تعاون جامعة الفيصل أيضا مؤشر إيجابي على دخول القطاع الأكاديمي معترك الحياة الاقتصادية بما يساهم في التطوير والكفاءة، وهذا يستحق الإشادة كذلك، والواجب أن تحذو الجامعات الأخرى حذوها. في بلادنا شركات ذات أعمال كبيرة جدا، وفي القطاعات كافة، ولا يمكن القبول بأي مبرر تقدمه إدارات هذه الشركات لعدم التطبيق الفوري لأعلى معايير الحوكمة. عشرات من الشركات أعمالها بالمليارات، وأخرى أعمالها بمئات الملايين، وبعضها تمتد أعمالها إلى خارج البلاد والكثير منها في قطاعات حيوية مهمة. لا بد أن تتطور الذهنية والعقلية في القطاع الخاص وبسرعة فائقة لتتبنى كل ما من شأنه زيادة الكفاءة الإدارية وغيرها مما يضمن استدامة شركات القطاع الخاص. مؤشر الحوكمة خطوة أولى في طريق طويل للوصول بشركاتنا لتكون قوة دفع تنموي، ومحركا للنمو والتطوير، ومحركا للبحث العلمي كذلك. طريق التقدم والتنمية لا نهاية له، فتنافس البشر في التطوير والإبداع والإضافة سيستمر ولن يتوقف ما بقيت على الأرض حياة.
إنشرها