Author

محاولة في فهم إيران

|
أول محاولة في فهم الجارة إيران تاريخها القريب والبعيد. يقال ماذا في الاسم؟ في القديم كان اسم القبائل التي جاءت من أماكن متعددة لم يحدد التاريخ بالضبط مواعيد هجرتها إلى المنطقة الواقعة بين بحر قزوين، والخليج.. وهم أقوام سُمُّوا بالإيرانيين خلال قرون قبل الميلاد، أما مَنْ كان يسكن في تلك المناطق فهم بدو رحل في الصحاري الواسعة الملحية بين سلاسل الجبال؛ لذا كان الاسم القديم هو إيران. على أن قوما سكنوا المنطقة الجنوبية التي حاضرتها الآن شيراز، وهم قبائل تدعى البارسيين، ثم سماهم اليونانُ الفرسَ، ومن هنا انتشر اسم فارس، وصارت كل إيران تحمل اسم فارس، والفارسيون هم من عبدوا زرادشت، وحول زرادشت قامت معظم آثار فارس الفكرية والدينية والحضارية بشكل عام، وشَكَّلت العقلية الروحية والمادية للفارسيين منذ ذلك الوقت. وزرادشت قديم جدا، وأيضا لا يُعرف من أين جاء على وجه التحديد، فهو ليس كالأنبياء، وليس إلها كاملا، إنه فكر كامل مقدس، جعل للنار موضع القداسة العليا، لذا كانت العبادة والتقديس أيضا للنار، ومع الوقت صار الزرادشتيون عبدة للنار.. وصار عليهم هجوم كبير جدا، خصوصا أيام الفتوح من أيام الإسكندر حتى الإسلام، كثير منهم انضووا تحت الدين الجديد، دين الفاتحين، الإسلام، وقلة متنفذة وغنية منهم هربت إلى بلاد الهند وخاصة بومباي.. وما زالوا ذوي نفوذ وقوة، ويتمتعون بجمال التقاطيع، وقوة الأجسام، ويسمون البارسيين. الفكر الذي صدر من القرون الزرادشتية من جنوب فارس أثر في الذهنية الإيرانية حتى مع دخول الإسلام، ثم إن اسم إيران أعيد مرة ثانية في العصر الحديث؛ لأنه يدل على كامل الخريطة التي كانت في الماضي القديم إيران. ومن هنا صار الخلط بين فارس وإيران في الذهنية الاستعمارية الغربية، ثم انتقلت لكل العالم، وإلينا. والآن صرنا نعرف الفرق- إذن- بين الفرس والإيرانيين. هذا الاختلاف يقودنا لنعرف أن إيران ليست جدارا قوميا واحدا متماسكا، فالجنوب كما نرى غير الشمال، فإقليم شيراز هو المنطقة الأغنى أركيولوجيا وتاريخيا وإثنيا، بل هو أيضا منبع المذهب الصفوي، ومقره ومملكته، ومنه بدأ التوسع والنفوذ الصفوي، وغلب المذهب الصفوي على معظم مناطق إيران وانكمش المذهب السني، على أن إيران ليست كلها إيرانية ولا فارسية ولا حتى شيعية. سنعرف أن إيران دولة فسيفسائية من الداخل، وهو أيضا ليس فسيفساء ثابتا في جدار صلد، بل متحرك ومتساقط يؤثر في بنية كل الجدار، فهناك أقوام بحضارات وثقافات أخرى مختلفة، بل بعضها متنافر أو متنافس مع الفكر السائد في إيران، فهناك الآزاريون، والأكراد، والبلوش، والتركمان، والقوقاز، والعرب.. هل لك أن تعرف أن هؤلاء بحضاراتهم ولغاتهم (الفارسية المحرفة، والتركية، والبلوشية الأردية، والعربية) يشكلون نصف الأمة الإيرانية! إيران التي عرفت في التاريخ بفارس؛ لأن اليونان حسبوها فارسا كلها، تحمل تاريخا غنيا جدا بالتنوع البشري والأثر التاريخي، فهي صارت إمبراطورية ضخمة في القديم بلعت اليونان وتعدت حدود مصر، ثم انقلب عليها المصريون في ثورة ليس هنا مكان شرحها، واستدار عليها اليونانيون في حروب متتالية أكلت الأخضر واليابس، وكان رحاها مما نسميه الآن عربستان مرورا بالهلال الخصيب لتركيا الحديثة، ثم قرر المقدوني الشاب الإسكندر أن يهزمها بل يضمها لإمبراطوريته، واكتسحها متوسعاً بكل أراضيها حتى شمال الهند. ماذا حدث لإيران بعد ذلك.. أكملها في المقال القادم، الجزء الأخير المختصر من ملحمة اسمها إيران..
إنشرها