Author

إقليم التفاح .. يا «سوير»

|
سارة كانت فتاة في الـ 20 من عمرها، حين تعرّفت عليها في أحد المستشفيات، حين أُدخلت قسم التنويم بسبب عارض صحي، لم تكن سارة مجرد مريضة “منوّمة”، بل كانت حالة فريدة مميزة، استقرت بين تلافيف ذاكرتي طوال هذه السنين، ولم تفلح خربشات الزمن في محو صورتها من ذهني. في الفترة الأخيرة أصبحت ذكراها تلح عليَّ كثيراً وتقفز بين الحين والآخر بين مشاهد الواقع الحالي حين أقابل شخصيات تشبهها إلى حد الدهشة، حتى أصبحت أتساءل: أكانت سارة تستقرئ ملامح “موضة” قادمة؟ في تلك الليالي الطويلة في المستشفى حدثتني “سارة” عن عائلتها الثرية وسفرياتها وملابسها التي تشتريها من إيطاليا، وإكسسواراتها الفخمة التي تأتيها من “باريس”، والمدرسة الراقية التي تدرس فيها، وماكياجها الذي لا تستورده إلا من “لندن”، رغم أني رأيتها مراراً وهي تضع “ميل المكحلة” القديم الذي يُباع في سوق الحريم وتسحبه خطاً أسود خارج عينيها، وتضع على شفتيها ذلك الروج من ماركة البودرة السحرية التي كادت تنقرض حينها. ذات ليلة شردت سارة بعيداً وهي تحدثني بشغف عن مزرعة أهلها “في إقليم التفاح” في لبنان، وذهابهم إليها كل سنة، بل إنها دعتني لزيارتهم أنا وأسرتي في لبنان، لقد صدقت سارة حتى تلك اللحظة التي جاء أهلها فيها لزيارتها، الذين لم أرهم منذ دخولي المستشفى، سمعت والدتها وهي تقول لها “ربي لك الحمد، الدكتور كتب لك خروج اليوم يا “سوير”، والله إني تعبت يا بنيتي، من كرف البيت وغسل المواعين، حتى المطر صار “يخر” من السقف ويبلل فرش الغرف”. جمعت سارة أغراضها وخرجت ذلك اليوم من دون أن تودعني، فقد أدركت أن مسلسل الكذب الذي قامت بتأليفه طوال أيام قد انكشف. كم “سوير” بيننا تهرب من واقعها إلى حيث أحلام اليقظة والأوهام المزيّفة. ليست مسؤوليتك أنك وُلدت في بيئة لم تخترها، لكنك تتحمّل المسؤولية كاملةً ببقائك في الظروف نفسها دون أن تسعى لتغييرها أو مواجهتها، أو حتى التعايش معها. وخزة كن صادقاً مع نفسك واثقاً بذاتك، حتى لا يقول لك أحدهم ساخراً بعد أن يكتشف حقيقة تخيلاتك التي نسجتها بعيداً عن واقعك الحقيقي.. (إقليم التفاح .. يا “سوير”).

اخر مقالات الكاتب

إنشرها