أعطوا «كورونا» أكبر من حجمه .. ليتهم ركزوا على «السكري» وضحايا الحوادث

أعطوا «كورونا» أكبر من حجمه .. ليتهم ركزوا على «السكري» وضحايا الحوادث

قال الدكتور توفيق خوجة مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول الخليج العربية، إن التعامل مع مرض متلازمة الشرق الأوسط "كورونا" أعطي أكبر من حجمه، معتبراً أن الأولى بالأهمية يكمن في التعاطي مع مرض السكري وسبل التقليل من نسبته بين سكان المنطقة، وكذا ضحايا الحوادث المرورية كونهما يقضيان على أعداد أشخاص سنوياً أكثر بكثير من ضحايا "كورونا". وبين خوجة في حوار مع "الاقتصادية" أن توحيد أسعار الأدوية بين دول الخليج سيترك هامش ربح لكل دولة بما لا يزيد على 25 في المائة. واعتبر مدير المكتب التنفيذي لوزراء صحة الخليج أن 80 في المائة من سكان المنطقة "خاملون" مرجعاً ذلك إلى نمط الحياة. إلى تفاصيل الحوار: حدثت في العقد الأخير جملة من المتغيرات في منطقة الخليج، ما أثر ذلك في الخريطة الصحية لسكان الدول الست؟ طبيعة المجتمع الخليجي المرفهة والأسلوب الغذائي وظروف الحياة، أوجدت أمراضاً لم تكن معروفة مسبقا أو لم تكن بهذا الحد من الانتشار، كالسمنة وارتفاع نسبة الدهون في الجسم وارتفاع ضغط الدم، وهو ما جعلنا نتجه لتطبيق استراتيجيات وخطط وطنية موحدة للخدمات الصحية وسلامة المرضى تنتهي في 2016، ونجحنا في إنهاء تأسيس المركز الوطني السعودي للرعاية المبني على البراهين، للحد من تكلفة اليوم الواحد لمكافحة العدوى التي تكلف بريطانيا نحو سبعة ملايين ريال سنويا، كما أن مكان السعودية واحتضانها أماكن الحج والعمرة ولدت الحاجة لتأسيس طب خاص بالحشود، وهو ما جعل مواطني دول الخليج الأكثر إصابة بأمراض معينة ويهدد مستقبليا ميزانيات وزارة الصحة لدول الخليج، حيث إن تكاليف علاج مرض السكري سيستهلك 20 في المائة من ميزانيات وزارات الصحة في دول الخليج في 2025. صدرت مؤشرات تشير إلى أن المواطن الخليجي خامل، كيف ترد؟ هذه مسألة مؤرقة لنا على نحو شديد، وبالفعل صنفت منظمة الصحة العالمية 80 في المائة من سكان دول الخليج بالخاملين، وهو ما يزيد خطر الغذاء المشبع بالدهون أو الوجبات السريعة، صحيح أننا احتفلنا بزيادة متوسط عمر المواطن الخليجي إلا أن المستقبل يهدد بتناقص أعمار الجيل الجديد من خمس إلى عشر سنوات، إذا استمر استخدام الكمبيوتر والآيباد وتناول الوجبات السريعة وأسلوب الحياة بالشكل الموجود الآن. إذاً كيف ستواجهون ذلك؟ نحن نعمل بالاتفاق مع الجهات المعنية، ووزارات الصحة بدول الخليج على التقليل من مشكلة السمنة والتدخين ومشكلات الأمراض الأخرى التي ترتفع نسبتها في دول الخليج، فمثلا استطعنا خلال 15 سنة رفع التعرفة الجمركية على التبغ 100 في المائة بدلا من 15 في المائة فقط، ووضع صور تحذيرية تشغل ثلث علبة السجائر، ونعمل الآن على البحث عن ضرائب إضافية للتدخين ورفع رسوم التعرفة الجمركية إلى 200 في المائة بعد أن نجحنا ضمن اللائحة الخليجية الموحدة لمكافحة التبغ الحد من وجود التبغ بالأسواق الحرة، حيث أثبتت الدراسات أن الأسلوب الناجح للحد من التدخين أو منع دخول أعمار جديدة، رفع سعر التبغ لدى المستهلك ووضع رسوم تحذيرية على العلبة، كما أننا نخطط للحد من نسبة الدهون والملح بالطعام بعد أن قللت الكويت الملح في رغيف الخبز 20 في المائة، تلتها عمان والسعودية في الطريق، إلى جانب إلزام المطاعم بذكر نسبة الدهون والسعرات الحرارية في وجباتها الغذائية، وتبني الدهون المشبعة بدلا من الدهون المتحولة، لأنها الأخطر. واضح أن السمنة وتدخين الصغار متفشيان بين الخليجيين، ماذا عملتم للتقليل من الآثار؟ بالنسبة للسمنة فإن الدراسات أثبتت أن 20 في المائة من أطفال المدارس لديهم زيادة وزن و15 في المائة سمنة، كما أن نسبة السمنة للأعمار فوق 30 في المائة تصل إلى 60 في المائة عند الرجال و80 في المائة عند السيدات، ووصلت نسبة التدخين بين السيدات 18 في المائة والرجال نحو 82 في المائة، حيث بينت الدراسات أن السعودية الأولى في صغر سن التدخين، حيث يبدأ من 11 سنة، تليها البحرين والكويت بعمر 12 سنة، ثم دبي وقطر الذي يبدأ التدخين من 15 سنة، وتشكل نسبة ارتفاع ضغط الدم 43 في المائة، والسكر 25 في المائة وزيادة الدهون والشحوم نحو 45 في المائة، وتتسبب تلك الأمراض بنحو 40 في المائة من الوفيات. ونحن نعمل ألا تزيد تلك النسب، فتقليلها يحتاج إلى مدة تصل إلى 50 عاما، لكننا نعمل من خلال الخطط والاستراتيجيات ألا تزيد من خلال مسح طبي بدأ في 2014 إلى 2025، بحيث نقيس نتائج ومعدلات المرض كل ستة أشهر ونرفع فيه تقارير للجهات المعنية ونحاول تطبيق التوصيات للحد من عدم ارتفاع النسب. كيف ترى تعامل وزارات الصحة بدول الخليج مع مرض "كورونا"؟ وهل هناك جديد تنوون تنفيذه؟ برأييي أن "كورونا" أعطي أكبر من حجمه، فلدينا أربعة آلاف يموتون، بسبب حوادث السيارات سنويا، ولدينا 40 في المائة من حالات الوفاة، بسبب أمراض السكري وضغط الدم، أرى أن الاهتمام بـ "كورونا" يفقد تركيز المخطط الصحي على الاهتمام بمواجهة داء السكري الذي يقتل عشرة آلاف شخص يوميا ويزيد عدد المصابين بنحو سبعة ملايين سنويا، لقد رفعنا درجات الترصد الوبائي والطوارئ لمكافحة الأمراض المعدية، وتبادلنا الخطط الوطنية للتعامل مع الفيروس، أتوقع أن علينا الاستمرار بالتركيز على الأمراض الأخرى التي لها تأثير أكبر في المجتمع الخليجي. هل أسهمت تجربة الشراء الموحد للأدوية بين دول الخليج بتخفيض الأسعار؟ الشراء الموحد جعل أسعار الأدوية تنخفض بنسبة تتراوح بين 20 في المائة إلى 25 في المائة، حيث إن تلك التجربة هي العمود الفقري للتعاون الصحي الخليجي وبدأت في عام 1976 بطلب من البحرين، بسبب ضغط الشركات الأجنبية عليها، حيث بدأت بمناقصة واحدة والآن تشمل 17 مناقصة وتبلغ تكلفتها ستة مليارات ريال سعودي يتم شراؤها عن طريق المكتب التنفيذي للمستشفيات، وتشمل إلى جانب الأدوية أدوات الأشعة لوجود نظام خليجي وعقوبات موحدة من ست دول خليجية على الشركات غير الملتزمة، تبدأ من الغرامة وإيقاف التعامل سنة أو سنتين أو إلغاء التعامل مع الشركات، إضافة إلى أنه تولد عنه برنامج التسجيل المركزي الذي يتأكد من أن الدواء ذات جودة عالية ويشترط أنه الدواء الذي يتم تسويقه لدى الدولة المصنعة له. وماذا أنجزتم فيما يتعلق بالمشروع الدوائي الخليجي؟ يعمل المكتب التنفيذي الآن على خدمة القطاع الخاص بالأدوية على غرار تجربة الشراء الموحد للقطاع الحكومي، من خلال التسعير الموحد للدواء لدول مجلس التعاون، حيث أنهينا في المرحلة الأولى تسعير 1200 دواء ونعتزم لإنهاء تسعيرات جميع الأدوية خلال ثلاث مراحل للمشروع، بحيث نترك لكل دولة تحديد هامش ربحي لا يزيد على 25 في المائة. هل من جديد تنوون إضافته إلى نظام فحص العمالة الموحد؟ استطعنا في نظام فحص العمالة الموحد الذي بدأ في 2003 خفض أمراض العمالة من 20 في المائة إلى أن وصلنا الآن 5 في المائة فقط، الآن نعمل على تشديد الأنظمة والفحوص لتشمل معايير الفحص النفسي بعد أن نجحنا في السيطرة على أمراض الدرن والإعاقات والأمراض المزمنة، بحيث نسعى لخفض نسبة الأمراض إلى 3 في المائة، مع العلم أن المرض النفسي من أصعب الأنواع التي يصعب اكتشافها، ولا يستطيع أحد تحديده إذا كان الشخص عدائيا أو طبيعيا إلا بعد استشارات متعددة، إلا أننا وضعنا معايير لفحص الصحة النفسية سنبدأ في تطبيقها خلال شهور. كيف يمكن تحقيق التغطية الصحية الشاملة للمواطنين في ظل المراكز الصحية القائمة؟ المعايير المتفق عليها في التغطية الصحية الشاملة تختلف من بلد إلى بلد، فمثلا في بريطانيا تم تحديد طبيب لنحو 1850 و3500 مواطن على الأكثر، نحن استطعنا أن نزيد عدد الأطباء خلال 15 سنة بنسبة تتراوح بين 10 في المائة إلى 15 في المائة، إلا أن عدد المراكز الصحية ما زال أقل من حاجة السكان فالرياض على سبيل المثال تحتاج إلى 120 مركزا صحيا ولا تمتلكها إلى الآن، نستطيع القول إن دول مجلس التعاون بدأت خلال السنوات الخمس الأخيرة ببناء المراكز والمدن الطبية المشكلة الأصعب هي بناء الكوادر التي تشغل تلك المراكز والمدن الطبية، فبناء مستشفى يحتاج إلى ثلاث سنوات وبناء شخص مؤهل لتشغيله يحتاج إلى عشر سنوات، ما زال عدد خريجي كليات الطب بأنواعها أقل من حجم المستشفيات الموجودة. ما المشروع الطبي والصحي الذي تعتزمون تطبيقه مستقبلا؟ نعمل على إطلاق مشروع خليجي لحماية حقوق المريض في 2015، ومن أهم بنوده الحفاظ على خصوصيات وحقوق المريض، وجعله يسهم بوضع الخطة العلاجية ويأخذ قرار العلاج بنفسه، وأن يكون مقدمو الرعاية الصحية وجدوا لأجل الخدمة الصحية وليس العكس كما هو حاصل الآن. وأوضح أنهم لاحظوا التأثير السلبي لازدياد تقنية الخدمات الطبية فاعتماد الأطباء على التكنولوجيا ولدت فجوة بين مقدم الخدمة والمريض، فأصبح المريض يعامل في الطب كآلة ويتنقل بين العلاج والمختبرات والتحليلات وليس كحالة إنسانية تتسم بالتعاطف والرحمة والتعاون المتبادل بين الطرفين، فرعاية المريض لها ثلاثة أركان: الجسدية والنفسية والاجتماعية، وإذا غابت الرعاية النفسية والاجتماعية تكون الرعاية العلاجية مبتورة. ما أهم مشكلة تواجه المخطط الصحي في دول الخليج؟ المشكلة الأكبر أن طموحات المواطن الخليجي تفوق أفكار المخطط الصحي بكثير، وهناك فرق بين الاحتياج والتطلعات، فقد يقول المخطط الصحي إنه يحتاج إلى 50 سريرا؛ لكن المواطن يريد السرير في غرفة خاصة وحمام، حتى على مستوى الأطباء الآن لا يقبل المواطن الخليجي إلا بالكشف عند الاستشاريين الكبار لا الإخصائيين والخريجين. ما الذي تأمل أن يتغير في تعامل الطبيب مع المريض؟ أتمنى أن نطبق حديث الرسول “إذا دخلتم على المريض فنفسوا له”، فما زلت أذكر عام 1986 عندما كنت أتدرب في أحد مستشفيات بريطانيا ودخلت على مريضة عمرها 55 عاما وكان يراقبني الدكتور المشرف من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة، فسألتها: ماذا تشتكين؟ على الرغم من أن المفترض أن أبادرها بالسؤال عن حالها وصحتها وأقترب منها كطبيب، وعندما جاوبتني بأنها تشكو من ألم في الكوع جئت لأفحصها فرفضت وصرخت متسائلة: أين الممرضة، فما كان من المشرف علي إلا أن أوقف تدريبي وسألني إذا كنت أعمل كطبيب أو سمكري، وأهداني كتابا فيه طريقة تعامل الطبيب مع المريض، قائلا إن على الطبيب أن يعامل المريض وكأنه المريض، ومن بعدها عدت لأهتم بالجودة وسلامة المرضى وأطمح أن أغير من تعامل الأطباء الخليجيين مع المرضى. للمرأة دور في الحد من نسبة الأمراض في المجتمع الخليجي. ما رأيك في هذا؟ بعيدا عن الكلام العام بأن المرأة هي نصف المجتمع، فالدراسات التي أجريت على الأسرة الخليجية أثبتت أن زيادة تعليم المرأة وتوعيتها يقلل من نسبة أمراض فقر الدم وسوء التغذية وقصر القامة، وكلما زاد الإدراك الصحي للمرأة كانت النشأة الصحية للأطفال أفضل، ما دفعنا لتأسيس برنامج عبارة عن فصل كامل للمدارس في المرحلة المتوسطة والثانوية موجها للنساء لإبراز دور السيدات في مجال التوعية الصحية. كيف يمكن لكم تقليل نسبة الأمراض والوصول إلى مجتمع صحي أفضل؟ أؤمن أن الأمل موجود دائما فهناك جزيرة على شكل قلب تمكن العلماء من صناعتها، واستطاعت دول كأمريكا وكندا وفنلندا وبريطانيا تقليل نسبة أمراض القلب والسكري من 7 في المائة إلى 3 في المائة خلال 50 سنة من العمل المتواصل والتوعية، النجاح سيأتي لكن بعد العمل المشترك الدءوب المتواصل بين جميع الجهات المعنية بدءا من مقدمي الخدمة إلى الإعلام وحتى المريض نفسه. هل هناك تجارب خليجية نجحت في تمكين المرأة من الوصول لمجتمع صحي؟ الإمارات نجحت في تمكين المرأة والوصول إلى دور لها في إيجاد مجتمع صحي، إضافة إلى منطقة نزوة في عمان، حيث استطاعوا تحويل مجتمع كامل إلى مجتمع صحي.
إنشرها

أضف تعليق