Author

تأثير قرارات وزارة العمل في معدلات التضخم

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
فاجأني الزميل الدكتور محمد السقا في مقاله الأسبوع الماضي حول تأثير رسوم العمالة في زيادة معدلات التضخم في المملكة، التي خلص فيها إلى "أن تطبيق قرار فرض الرسوم على العمالة الوافدة في القطاع الخاص لم يؤد إلى رفع المستوى العام للأسعار أو معدلات التضخم، كما ادعت بعض الأطراف في القطاع الخاص"، ثم قال "بل على العكس فقد تراجعت معدلات التضخم الشهرية في عام 2013 في معظم أشهر العام"، وزاد على ذلك بقوله "كما لم يترتب على تطبيق القرار أدنى تأثير في معدل التضخم السنوي في 2013، فما حدث جاء على العكس تماما من التوقعات، حيث تراجع معدل التضخم السنوي مقارنة بمعدل التضخم في 2012". وفي آخر المقال ختم بالجملة التالية: "إن هذه الخلاصات تؤكد أنه من الممكن أن تستمر الدولة في رفع معدلات الرسوم على العمالة الوافدة بصورة أكبر، وعلى النحو الذي يجبر المؤسسات المخالفة لقرارات السعودة في القطاع الخاص بأن تلتزم بهذه النسب". أشير أولاً إلى أن رأيي الذي كتبته هنا في 4/3/2013 بعنوان "التضخم الناتج عن رفع رسوم رخص العمل" يشير في خلاصته إلى أن قرار رفع رسوم العمالة وغيرها من القرارات الصادرة عن وزارة العمل التي تمت بمعزل عن التنسيق مع بقية الجهات الحكومية التي تعمل على مكافحة التضخم، مثل مؤسسة النقد ووزارة المالية، ووزارة التخطيط، ووزارة التجارة والصناعة، ستكون لها تأثيرات سلبية في مستوى التضخم، وأنه على الرغم من أن الكثير من المواطنين لديهم الاستعداد لتحمل بعض الارتفاع في مستوى التضخم على حساب توظيف المواطنين السعوديين، إلا أن ما تقوم به وزارة العمل لعلاج البطالة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل أكبر بكثير من أي فوائد قد تأتي من خلاله. ليس الهدف من هذا المقال الانتقاص من رأي الدكتور محمد السقا، صاحب المكانة العلمية المرموقة والكاتب المحترم، ولا الهدف المدافعة عن رأيي في تأثير الرسوم في نسبة التضخم، بل مجرد إيضاح الأرقام والحقائق الخاصة بمعدل التضخم، التي لم يقرأها بشكل صحيح الدكتور محمد. أولها ما ذكره في مقاله "... حيث تراجع معدل التضخم السنوي مقارنة بمعدل التضخم في 2012"، والحقيقة أن نسبة التضخم الرسمية المعلنة من قبل مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات تشير إلى أن نسبة التضخم عام 2013 مقارنة بعام 2012 بلغت 3 في المائة. ثانياً، بخصوص ما ذكر حول معدلات التضخم الشهرية: "... فقد تراجعت معدلات التضخم الشهرية في عام 2013 في معظم أشهر العام"، والحقيقة أنها عكس ذلك تماماً، وهي أولاً أن أسعار جميع الأقسام في عام 2013 - البالغ عددها 12 قسماً - جميعها ارتفعت عدا قسمي الأحذية والنقل وقسم هامشي للسلع والخدمات المتنوعة، هذا بشكل سنوي. أما بشكل شهري، فنجد أن جميع الأشهر - بلا استثناء - ارتفعت فيها نسبة التضخم عن الشهر الذي قبله، وكذلك عن الشهر المقابل من العام الماضي. غير أن الدكتور محمد حاول تفسير الأرقام بطريقة غير صحيحة في أنه، على سبيل المثال، أخذ نسبة ارتفاع شهر آذار (مارس) عام 2013 مقارنة بالشهر السابق من العام نفسه، وقارنها بنسبة ارتفاع شهر آذار (مارس) عام 2012 عن الشهر السابق من ذلك العام، وهذه ليست طريقة سليمة للمقارنة، ولا تفيد في شيء، بل إن الطريقة السليمة دائماً هي المقارنة بالشهر السابق من العام نفسه، وكذلك المقارنة بالشهر المقابل من العام السابق. الخطأ الآخر الذي وقع فيه الدكتور محمد - والحقيقة أنه دائماً دقيق في معلوماته ويقدم طرحا علميا راقيا، ولكني أعتقد أنه لم يوفق في هذه المرة - هو أنه حاول معرفة تأثير رفع رسوم العمل في التضخم بمقارنة تاريخية خاطئة، وهي أن الرسوم تم العمل بها منذ نحو 14 شهراً فقط، بينما قام هو بمقارنة الأسعار الحالية بأسعار نهاية عام 2011، أي لفترة نحو 25 شهراً، خصوصاً أن عام 2011 شهد ارتفاعات عالية في معدل التضخم، فيكون من غير المناسب اختيارها كفترة للمقارنة، هذا بخلاف أنها بالأصل ليست مرتبطة بقرار رسوم العمل. بل إن الأهم من هذا كله، أنه علمياً لا يمكننا الجزم بعدم تأثير الرسوم في نسبة التضخم بمجرد قراءة أرقام التضخم بمعزل عن أي تأثيرات أخرى. بمعنى أنه حتى وإن كان معدل التضخم لم يتغير، فلا نستطيع الجزم بعدم وجود تأثير للرسوم - لربما لو لم تكن هناك رسوم لأصبح معدل التضخم 2 في المائة بدلاً من 3 في المائة! لمعرفة تأثير رسوم العمل، وغيرها من قرارات وزارة العمل، في معدلات التضخم، علينا أولاً مقارنة معدل التضخم في المملكة بالدول الأخرى، خصوصاً ذات الاقتصاديات المشابهة، مثل دول الخليج. بالنظر إلى إحصائيات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام 2013، نجد أن معدل التضخم في المملكة الأعلى خليجياً، بعكس سنوات مضت حين كانت دول الخليج تعاني موجات تضخم أقوى بكثير من المملكة. ولو أردنا التسرع في استخلاص النتائج، فقد ندعي أن سبب ارتفاع معدل التضخم في المملكة مقارنة بدول الخليج يعود إلى رسوم العمل، ولكن لن أجزم بذلك لأن هناك أسبابا أخرى كثيرة للتضخم. ختاماً، أشير إلى بعض أرقام مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات المتعلقة بالتضخم وأترك التعليق للقارئ حول ما إذا كانت لهذه المعدلات المرتفعة علاقة برسوم العمل وقرارات الوزارة الأخيرة، وسأختار الأقسام التي تكبدت ارتفاعات بأعلى من 5 في المائة لعام 2013، مقارنة بنهاية عام 2012، أي تقريباً منذ تطبيق قرار رسوم العمل. ولن أتحدث هنا عن الأرقام غير الرسمية لأن هذا ليس موضوعنا هنا. التأمين، 25.1 في المائة، سلع وخدمات لصيانة المنزل 13.9 في المائة، عروض العطلات والسياحة 13.3 في المائة، المنسوجات المنزلية 10.9 في المائة، سلع معدة للترفيه والثقافة 9.5 في المائة، أجهزة هاتف وفاكس 8.5 في المائة، خدمات أخرى (من ضمن السلع والخدمات الأخرى) 7.9 في المائة، المياه والخدمات المتصلة بالمسكن 6.8 في المائة، التعليم الابتدائي وما دونه 6.6 في المائة، المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية 6.0 في المائة، الأغذية 5.5 في المائة. أما الخبر السار فهو أن الأحذية انخفضت أسعارها بنسبة 6.8 في المائة!
إنشرها