Author

تضارب الإحصاءات الرسمية.. سوق العمل مثالاً

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أمرٌ ليس بالجديد؛ على الرغم من أنّ مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات تُعد المرجع الرئيس لإحصاءات سوق العمل، وغيرها من البيانات الإحصائية الرسمية، بموجب المادة الثانية من نظام الإحصاءات العامّة في البلاد، التي نصّتْ على اعتبارها المرجع الإحصائي الرسمي الوحيد في السعودية لتنفيذه وتطبيقه، وكذا لتزويد الإدارات الحكومية والمؤسسات العامة والخاصة والأفراد بالمعلومات والبيانات الإحصائية الرسمية. إلا أنّ الإحصاءات الرسمية عن سوق العمل تتضارب في مخرجاتها بصورة لافتة، تصل بها إلى ما وراء حدود التضارب، ومن ثم يصعب تماماً معرفة حقائق السوق، ما يدعو في حيرةٍ للتساؤل: كيف يمكن للجهات المسؤولة أن تتولى بكفاءةٍ، إدارة وتطوير وتنظيم ومراقبة السوق؟! تتولى وزارة الخدمة المدنية مسؤولية التوظيف في القطاع الحكومي، فيما تتولى وزارة العمل مسؤولية التوظيف في القطاع الخاص، وكلتا الجهتين تصدران إحصاءات دورية حول العاملين في كلٍ من القطاعين الحكومي والخاص. حينما تقارن جميع تلك الإحصاءات الصادرة من تلك الجهات الثلاث لنفس الفترة حسب كل قطاع فإنّك لن تجد رقماً يطابق رقماً! على سبيل المثال؛ تتحدث بيانات مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات عن وجود أكثر من 6.0 مليون عامل غير سعودي في سوق العمل السعودية " قطاع حكومي، قطاع خاص " خلال 2013، في الوقت ذاته تتحدث بيانات وزارة العمل عن وجود 8.1 مليون عامل غير سعودي في القطاع الخاص فقط خلال العام نفسه 2013، وبإضافة عدد العاملين غير السعوديين في القطاع الحكومي البالغ 73.7 ألف عامل للعام نفسه بموجب بيانات وزارة الخدمة المدنية، يصبح إجمالي العمالة غير السعودية "وفقاً لوزارتي الخدمة المدنية والعمل" نحو 8.2 مليون عامل. بهذا نكون أمام فارق يفوق الـ 2.2 مليون عامل غير سعودي، أي بانخفاضٍ فاقت نسبته 36.8 في المائة من إجمالي العدد الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامّة! ولا يقف الاختلاف عند هذه الأرقام المتعلقة بأعداد العاملين غير السعوديين، بل يمتد أيضاً لأعداد العاملين السعوديين، فوفقاً لبيانات الإحصاءات العامّة بلغ أكثر من 4.6 مليون عامل سعودي، في المقال ولنفس العام بلغ وفقاً لوزارتي الخدمة المدنية والعمل كمجموع نحو 2.6 مليون عامل سعودي، بفارقٍ وصل إلى 2.04 مليون عامل، أي بزيادةٍ فاقت نسبتها 44.1 في المائة من إجمالي العدد الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامّة! "حتى مع افتراض تضمّن بيانات المصلحة العاملين في القطاع العسكري، يظل الفارق كبيراً جداً". نأتي الآن إلى أكثر البيانات تضارباً ومخاطرة؛ بيانات العاطلين عن العمل. حيث تشير بيانات مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات إلى أن عدد العاطلين السعوديين بلغ خلال 2013 أكثر من 629 ألف عاطل، بمعنى أن معدل البطالة بين السعوديين يبلغ 12 في المائة! فيما تشير بيانات وزارة العمل وفقاً لما تم رصده في برنامج حافز إلى أنّ عدد العاطلين السعوديين يناهز 1.5 مليون عاطل "مع استبعاد من يتجاوز عمره الحد الأعلى لمستحقي مكافأة حافز، وبخصم نحو 200 ألف تمّ توظيفهم"، وبموجب هذا الرقم الهائل، يمكن تقدير معدل البطالة بين السعوديين بأكثر من 41 في المائة! اللافت أمام كل هذه الإحصاءات المتضاربة، أنّ وزارة العمل التي تصرّح دائماً التزامها التام بكل ما ورد في ''استراتيجية التوظيف السعودية''، قد وقعت وأوقعت الاقتصاد الوطني في تناقضٍ حاد؛ كيف؟! التناقض الأول ـ أنّها بموجب ''استراتيجية التوظيف السعودية''، ووفقاً لما ورد بالنص الصريح في صفحة 29 من الاستراتيجية، انتقدت طريقة مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات التي تستخرج بموجبها أعداد العاطلين ومعدل البطالة، مؤكدةّ أنّه ليس من المقبول استبعاد تلك الفئات التي حددتها المصلحة، ولا على نتائج المسح الذي شمل عينة ضيقة من الأسر، وهو ما يُخرج لنا ''معدل بطالة'' غير دقيق، ولا يعبّر أبداً عن واقع سوق العمل المحلية، ولا عن الحجم الحقيقي للباحثين عن عمل. لكنّها في الوقت ذاته وعبر التصريحات المتكررة لوزير العمل، تؤكّد أنّ معدل البطالة المعترف به رسمياً هو ما يصدر عن مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات! أيهما تريد وزارة العمل أن نقتنع به؛ التزامها بـ ''استراتيجية التوظيف السعودية'' أم التزامها المخالف للاستراتيجية وتحديداً المتعلق ببيانات البطالة؟! التناقض الثاني: إذا كان العدد الرسمي للعاطلين عن العمل ومعدله، هو ما تعترف به وزارة العمل رسمياً، كيف لها أن تفسّر للجميع توظيفها من المواطنين خلال ثلاث سنواتٍ مضت "750 ألف عامل" ما يفوق عدد العاطلين المنشورة أعدادهم "629 ألف عاطل" من قبل مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات؟! مع الأخذ في الاعتبار التدفقات السنوية من طالبي العمل الجدد على السوق. تقع مسؤولية إخراج الاقتصاد الوطني من هذه التناقضات الخطيرة على عاتق جميع تلك الجهات المذكورة هنا، ولا يمكن أن ينجح الاقتصاد في عبور أيّ من تلك التحديات التي يواجهها وأمامه عشرات المؤشرات المتضاربة، بل كيف يمكن لصناع وواضعي السياسات الاقتصادية أن ينجحوا في مهامهم تلك، والمؤشرات والإحصاءات الرسمية التي بناءً عليها يتم عملهم خاضعة لهذا التناقض والتضارب؟!
إنشرها