Author

المقاولون والسمعة الاقتصادية للمملكة

|
لا شك أن الإعلان عن تأخُّر تنفيذ كثير من المشاريع في المملكة هو خبر غير جيد، كما صرحت بذلك اللجنة الوطنية للمقاولين خلال مؤتمر صحافي عقدته الأربعاء الماضي، ورغم أن عبارة "تأخّر تنفيذها" أخف كثيراً من عبارة "تعثرت"، لكن ما نخشاه هو أن تتطوّر مصطلحاتنا في وصف مشاريعنا المتعثرة بينما لا يتطوّر تنفيذها في أرض الواقع. وبقدر ما كان تصريح لجنة المقاولين مهماً، إلا أن علينا أيضاً أن نضع في الاعتبار مكانة المملكة وسمعتها باعتبارها اليوم عضواً في قمة العشرين، وهي مركز اهتمام العالم، كما أنها حققت مركزاً ائتمانياً متميزاً، وتسعى جهدها إلى جذب الاستثمارات العالمية، فلم يكن من المناسب أبداً أن تُطلق اللجنة اتهاماتها لوزارة المالية، وكأنها تشكّك في قدرة البلد على دفع مستحقات المقاولين بينما الميزانية العامة للدولة تحقق كل تلك الفوائض، لم يكن من المناسب أبداً، خاصة أن اللجنة في اليوم الثاني غيّرت من أحكامها، وقررت أن مشكلة التأخير في صرف المستحقات تعود بالدرجة الأولى إلى جهات حكومية تتحمل نسبة 70 في المائة من التأخير، بينما تتحمل وزارة المالية نسبة 30 في المائة بحسب ما قالته اللجنة والأمر بهذا مختلف جداً. لكن رغم ذلك، فإنه من المحزن أيضاً، أن تتحوّل هذه المشكلة إلى صراع بين الجهات المختلفة، كما الكرة يتقاذفها الجميع، لكن لا أحد منهم يعرف أين الهدف، المقاولون يشتكون من الجهات الحكومية بالتأخُّر في رفع المستحقات؛ وزارة العمل لعدم توافر عمالة كافية في السوق، ووزاة المالية، ثم تأتي الجهات الحكومية بشكوى أخرى من المقاولين ولائحة المشتريات، وتأتي ووزارة المالية لتلقي باللائمة على المقاولين أنفسهم.. وزارة العمل من جانبها ترد بأن التأشيرات متوافرة لكن العمالة المخالفة ليست كذلك، وعلى الشركات أن تتحمّل نصيبها من السعودة، ومع كل الشكر للجميع على جهودهم، فإننا نسأل وباهتمام أين التنمية من كل هذا؟ ومَن المسؤول عنها؟ نسأل عن السمعة الاقتصادية للمملكة ولماذا يهدّدها البعض لأهداف ذاتية بحتة؟ لماذا يتم تناقل مثل هذه التصريحات في مؤتمرات صحافية، وكأنها قضية تمثل أطرافاً سياسية تهدف إلى استقطاب الرأي العام. من المقلق جداً، ونحن في قطارنا التنموي وهو يسير بنا، أن نعرف أن الجميع يعمل باجتهاد لكن في اتجاه مختلف، ومن المؤسف حقاً أن نجد أن كلاً منا يريد أن يقود القطار نحو رصيفه هو، ولكي يحقق أهداف مؤسسته وحدها، ولعل هذا ما يجعلنا نسأل: هل كان المؤتمر الصحافي غاية في ذاته أم وسيلة لغاية يريدها المقاولون وحدهم؟ وهل كان رد وزارة المالية من باب إخلاء المسؤولية أم رد اعتبار، أم أنه اعتراف بوجود مشكلة تحتاج إلى تكاتف الجميع لحلها بدلا من عبارات الإخفاق؟ وبينما نستشعر الأمل في تحقيق أحلامنا في النقل العام والسكن والمستشفيات وتطوير التعليم، فإن الحل ليس في هذا الصراع والتنازع الإعلامي الذي قد يضر السمعة والتصنيف الاقتصادي للمملكة، بل يبدأ من خلال شراكة حقيقية، وعمل جماعي، وتوفير فرص حقيقية للحوار من خلال ورش عمل بين وزارتَي المالية والعمل والمقاولين والوزارات المعنية، وأن تكون هذه الورش تحت مظلة مجلس الشورى حتى تصدر عنها توصيات فورية لقرارات يتبناها المجلس فوراً، وأن ترفع للمقام السامي لاتخاذ حلول عاجلة وفورية.
إنشرها