default Author

بشر افتراضيون

|
ماذا يجري خلف جدران معهد فيس؟ ما الذي يعكف عليه هذا التجمع الكبير من أطباء وصيادلة وخبراء في التقنية الرقمية؟ لندخل ونرى... إنهم يحاولون صنع بشر افتراضي، بخلايا حقيقية وبيئة مطابقة تماما لما يحدث داخل أجسامنا، ولكن على رقاقة تستطيع حملها بين إصبعيك! بعد الصعوبات التي تواجه مكتشفي ومصنعي الأدوية نتيجة تزايد الأمراض وشح الأدوية، وحاجتها لعشرات السنين كي ترى النور بعد تجريبها على حيوانات شبيهة حيويا بالبشر، ومن ثم على البشر أنفسهم، وما يعتري ذلك من خطورة على المتطوعين، أو اللجوء إلى طرق لا أخلاقية في استغلال البشر، لذا تم اللجوء إلى الخلايا المعزولة في أطباق المختبر، ولكنها عزلت كذلك عن بيئتها وتفاعلها مع محيطها! ولكن معهد فيس بعلمائه قام بمحاكاة خلق أعضاء الإنسان من كبد وكلية ورئة بخلاياها وحركتها الحقيقية، وكذلك إمكانية دمج هذه الرقاقات لتكوين بشر افتراضي، وتجريب الدواء عليه دون ضرر. ليس هذا فقط، بل بالإمكان استخدام هذه التقنية في دراسة الأمراض ومعرفة ما تفعله في أجسادنا، ومن ثم إيجاد دواء يقضي عليها، لنأخذ خلايا من رئتك ونضعها في الرقاقة ونجري الدم في إحدى قنواتها والهواء في قناة أخرى، ونحاكي حركة الانقباض والانبساط في الرئة، أي نجعلها تتنفس، ثم نصيبها بعدوى بكتيرية، ثمّ نضيف كريات دم بيضاء بشريّة (خط الدفاع الأول عن أجسادنا ضدّ البكتيريا الدخيلة)، فتدخل من الدّم إلى الرئة وتبتلع البكتيريا... وهذا من شأنه أن يحدث ثورة ونقلة نوعية ليس فقط للصناعة الدوائية، بل لعديد من الصناعات الأخرى، منها صناعة مواد التجميل، وذلك بجعل الجلد في رقاقة ودراسة مأمونيته دون الحاجة للتجربة على الحيوان، كما نستطيع اختبار سلامة المواد الكيماوية التي نحن عرضة لها بشكل يومي مثل مواد التنظيف المنزلية، وكذلك الكيماويات المستخدمة في الأسلحة البيولوجية، أو التعرض الإشعاعي الذي لا نستطيع القيام به على بشر حقيقيين. الأعضاء في الرقاقات بإمكانها أيضا تغيير طريقة القيام بالتجارب الإكلينيكية مستقبلا. فالمشارك العادي حاليا في التجارب الإكلينيكية هو شخص سليم في منتصف العمر، ولن تجد الكثير من التجارب الإكلينيكية على أطفال، ورغم ذلك فإنّنا نعطي الأطفال الأدوية يوميا، والمعلومة الوحيدة الآمنة التي نمتلكها عن ذلك الدواء حصلنا عليها من البالغين، رغم أن الأطفال لا يستجيبون بنفس طريقة استجابة البالغين، أي إنشاء طفل في رقاقة! كما يمكن تصنيع شعوب افتراضية في رقاقات! لأن لكل شعب جيناته واستجابته المختلفة للدواء، وكذلك أمراضه الخاصة.
إنشرها