Author

مفتاحان

|
.. تصوروا لو أن هناك مجتمعاً يربطه الخوف، يربطه التخوف، وإن شئتم يربطه الخوف والتخوّف.. معا! دعنا نرى. هذا الشعبُ يخاف أن يعلن رأيه في الجماعة المفتوحة، لأنه يخاف من ألف عين وفم، فيطلب السلامة والغنيمة وينسحب إلى قوقعته الصغيرة ويحكي كما يشاء. يخافون البدء من جديد، لعجزهم، عن أمورٍ لا بد أن تنسف، لأنها تثبت شلل إنتاجها وأدائها وسوء تأثيرها، ويخافون ويتخوفون ويترددون في الجزم. وهم شعب يخاف النهايات، فلا يفكر أن كل شيء ينتهي، ولا بد أن تتغير الأشياء حتى تتجدد الحياة، كما تزال الأرضُ كاملة كي ينبت الزرعُ أكثر نضرة وإثمارا من جديد. وهم يخافون أن يبقوا ملتصقين بين كل تلك الأمور، بين البدايات والنهايات ورفع الصوت للرأي فيبقى الالتصاقُ مستمرا. فكم من مواضيع بسيطة تعدتها كل الحضارات حتى في الأدغال وبقيت عندهم شيئا يخوضون ويختصمون حوله، فيجمدون في تلك اللحظة، والزمان يجري كقطار وامض لا يلاحظ المحطة العتيقة التي هم بها أداموا القعود. وهم يخافون النجاح وهو بأيديهم فلا يقدمون تخوّفاً من أشياء هم يصنعونها بوهمهم ثم يضعونها بإرادتهم الواعية أمامهم عائقاً ومانعا. ويخافون من الفشل، ولا يتمسكون بأحبال الخلاص المدلاة لهم. هناك من اعتقد أنهم شعب يعاني مشكلة سيكولوجية، وهذا وهمٌ أيضا. كل المشكلة في أدمغتهم، لذا وجب إعادة ترتيب الدماغ، كما يعاد توضيب المكائنُ والآلات. على أن إعادة توضيب الدماغ ليست أمراً سهلاً، والأمرُ الأسهل هو أن يُدار الدماغُ من البدء صحيحا. لذا ظهر أن الحل هو التربية والتعليم. هما المفتاحان اللذان يفتحان أبواب الأنوار والآفاق التي بلا حدود، أو يكونان هما المفتاحين اللذين يغلقان الأبواب فتُسدَل الأستارُ على أيامٍ بلا عود. كلما دخلوا منطقة غير مألوفة شعروا بالخوف. المسألة كلها في الفعل "شعر"، لذا يجب أن تكون خطة التعليم والتربية الكبرى هي تغيير الشعور، من الشعور بالخوف والتخوف إلى الشعور بالرغبة في اقتحام الحدود الجديدة ومعرفتها وغرز الأعلام فيها، ثم تتجدد الرغبةُ بلا توقف لتخومٍ أجَدّ. إن تحقيق التغيير نحو الرغبة في إشعال قاطرة التقدم والتحرر من حبال تربطها بأوتادٍ موغلة جامدة، يتطلب أن ترتفع وتيرة تقدير الناس لأنفسهم، ويحترمون ذواتهم. وأن يتعلموا الجزمَ في الإرادة، وتشغيل مولداتهم التي في دواخلهم، وأن يكون لهم في الحياة غرض وهدف واضحان يحققونهما، ليكون لوجودهم معنى. وإلا فهم الموجودون غير الموجودين!
إنشرها