FINANCIAL TIMES

محتوى الإنترنت الفيروسي ينافس الخدمات الإخبارية

محتوى الإنترنت الفيروسي ينافس الخدمات الإخبارية

"الأخبار هي ما لا يرغب شخص ما أن تنشره. والباقي عبارة عن إعلان"، هذا ما تقوله تعويذة الصحافيين، التي يقال إن قائلها هو الناشر وليام راندولف، أو الناشر اللورد نورتكليف. إذا كان الأمر كذلك، فهناك طوفان من الأخبار. في عام 2014، الشكل الأسرع نمواً من "محتوى" الإنترنت هو وباء من أشرطة الفيديو الحميمة وعناوين لافتة تغريك بالضغط عليها من مواقع مثل بازفيد، وأبوويرثي، وفايرال نوفا. وبدلاً من أن تجدها على المواقع الإخبارية أو من خلال محركات البحث، فهي تزدهر على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر. في حين يعتز المراسلون الصحافيون بأنهم يكتشفون الأخبار السيئة والوقائع الغريبة، فغالباً ما تجذب هذه القصص المشاعر الإيجابية، مثل المودة، والإعجاب، والرهبة. فهي مُغلّفة بطريقة تجعل الناس يشاركونها مع أصدقائهم، وأن تنتشر كالفيروس. بعض هذا هو نوع من إلإعلان، فموقع بازفيد يقوم بتصميم الحملات الفيروسية الإعلانية للشركات على نحو يصعب معه تمييزه عن إنتاجها الآخر. وأغلبها له طابع يشبه الإعلان. ويُكرّس منتجو الأخبار الفيروسية كثيرا من الوقت لتسويق المحتوى، مثلما يكرسون الوقت لتلفيقه، وذلك مثل وكالة إعلانية متزوجة بغرفة أخبار. هذا يزعج كثيرا من الصحافيين. وتراوح الشكاوى من عدم وضوح الخط الفاصل بين المقالة الافتتاحية والإعلان إلى الطريقة التي تصبح فيها الفيديوهات المزيفة والصورة التي تم التلاعب بها في بعض الأوقات أنباءً مثيرة تنتشر بسرعة دون أن يتم التحقق من صحتها. فجهود موقع أبويرثي لاستمالة قلوب القراء تُغضب المحررين المتشككين. "سيقوم الحشد في نهاية المطاف باختيار الحقيقة المثيرة على الخدعة الحميمة"، هذا ما أعلنه بنوع من التحدي نيك دينتون، وهو ناشر أخبار في مواقع الأخبار والشائعات لمدونة جوكر (وصحافي سابق في فاينانشيال تايمز) في كانون الأول (ديسمبر) حين تفوقت حركة موقع بازفيد على موقعه. لكن أجد من الصعب عدم الضحك على الغضب الأخلاقي لناشري الأخبار الذين تم التفوق على كشفهم الفضائح عن طريق فيديوهات القطط الظريفة (مقاطع الفيديو المضحكة بشكل عام). وطالما أن الذين يشترون الإعلام والمعلنين لا يميزون الزبائن الذين يجدون الأخبار من خلال محركات البحث عن الذين ينجذبون للترفيه من خلال نقرة "أعجبني" على فيسبوك وتنويهات تويتر، فإن كافة المحتوى المجاني سيتنافس بشكل متساوٍ والحجم هو الذي سيفوز. والواقع أن مدونة جوكر ومواقع مثل ميل أونلاين، المستمدة من تقاليد الصحافة الشعبية (التابلويد) في بريطانيا، تواجه مصير أن تتعرض للأذى الذي كان يفترض أن تُوْقِعه هي بغيرها. فبعد أن حددوا معيار النجاح بأنه عدد النقرات التي يحصلون عليها مقابل القصص المثيرة، يجدون أن شخصاً آخر اخترع مصيدة مرور أفضل (على الرغم من أن موقع ميل أونلاين لا يزال يهزم بازفيد من حيث عدد الزائرين). والمخترع هو جونا بيريتي، الذي شارك في تأسيس موقع هافينجتون بوست ومؤسس موقع بازفيد. ومن تجربته السابقة بتبادل البريد الإلكتروني الفيروسي مع شركة نايك عندما حاول طباعة كلمة "السُخرة" على زوج من الأحذية، فقد أصبح رائداً في نقل المعلومات الرقمية. وكانت رؤيته أن المشاركة تعمل بشكل مختلف عن البحث. فالبحث هو طريقة لاكتشاف المعلومات، بينما المشاركة يتم ترويجها من خلال المشاعر. ويقرأ الأشخاص كافة أنواع المواد لكنهم يشاركون القصص والفيديوهات التي تخلق ردود فعل إيجابية، مثل الضحك؛ أو الردود السلبية فعلاً، مثل الغضب. ووجدت دراسة لسبعة آلاف مقالة من صحيفة "نيويورك تايمز"، أجراها اثنان من الأساتذة في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، أن الأخبار المُحزنة تتم مشاركتها بشكل أقل لأن الحُزن أدنى مستوى من الاستثارة، فهو حالة سلبية. وكان الناس أكثر عرضة لمشاركة القصص الإيجابية لأنها كانت طريقة لإظهار الكرم وتعزيز سمعتهم. فمشاركة الأشياء الممتعة علناً تجعلهم يبدون لطيفين هم أنفسهم. وهذا كافٍ لجعل المخضرمين قلقين باستمرار، يقول أحدهم: "إن ما ينجح في الأخبار الفيروسية هو تقوى مزيفة"؛ وقد اتحد ذلك مع التحول إلى الفيديوهات في حين تزيد سرعات الإنترنت. والإنترنت التي كانت في الأصل وسيلة للأكاديميين لمشاركة المعلومات، تصبح الآن في المقام الأول وسيلة ترفيه حيث العنوان المثير على فيديو يعتبر نصاً كافياً. وليس كل المحتوى الفيروسي مبتذلا وسطحيا. إذ يمكن تطبيق التقنيات الرائدة، مثل حملات الإعلان، التي وضعها بريتي على كافة أنواع المنتجات. ويستخدم موقع أبويرثي الذي جذب 88 مليون مستخدم في تشرين الثاني (نوفمبر)، وفقاً لشركة كوانتكاست، هذه التقنيات لإغراء الأشخاص بفيديوهات عن قضايا ليبرالية مثل زواج المثليين والتخفيف من حدة الفقر، وإقناعهم للتبرع بالمال. ويقول إلي باريزر، وهو مؤسس مشارك لموقع أبوويرثي: "غالباً ما يكون المحتوى عن المواضيع المهمة جافاً، ذلك يشبه براعم القرنبيط التي هي جزء من الوجبة وعليك ابتلاعها. وقد فكرنا: لماذا يجب أن تكون الأمور بهذه الطريقة؟ لماذا لا تجعل طعمها أفضل، حتى يرغب الناس في أكلها"؟ من جانبه، كثف موقع بازفيد جهوده الصحافية، مضيفاً تقارير عميقة عن السياسة والأعمال لمواده الرقيقة. ولدى الموقع 140 مراسلاً صحافياً، وقد أنشأ موقعاً في بريطانيا في عام 2013 وسيضيف وحدة للتحقيقات الصحافية هذا العام. ويمكن في النهاية أن تصل الفيروسية إلى حدودها القصوى. فقد يتعب الناس من الضغط على عنواين موقع أبوويرثي العاطفية. ويمكن أن تختفي شعبية قوائم موقع بازفيد؛ "10 صور رائعة" و"40 حقيقة مذهلة". وينبغي لناشري الأخبار ألا يعولوا عليها. ليس فقط أن موقع بازفيد والآخرين ينمون بسرعة، ولكنهم مرنين بما فيه الكفاية لتعديل التكتيكات استجابة لطلب الجمهور. إذ إن بإمكانهم التوسع حول جوهر المحتوى الفيروسي، كما يفعل موقع بازفيد. ومثلما تفعل شبكات التلفزيون بأقسام الأخبار، بإمكانها الجمع بين المواضيع الجدية والمسلية. وفي النهاية، الإنتاج الفني هو عمل أكبر من الأخبار. كان ذلك حقيقياً في العالم التماثلي وليس هناك سبب للاعتقاد بأن ذلك سيتغير في العالم الرقمي. فالدرس الذي يستفيده ناشرو الأخبار من الوباء الفيروسي هو أنه، إذا قمت بالقتال مع الإنتاج الفني لاستقطاب الاهتمام، فإنك تخسر.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES