Author

40 مليونا و15 ريالا وأمين سابق

|
يروى أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين وضع قواعد تعامل عنيفة لمن يغش أو يرفع أسعار المواد الغذائية خلال الفترة التي كانت العراق فيها محاصرة اقتصادياً. بلغني أن من يرفع السعر كان يتعرض للإعدام. هذه طريقة للسيطرة على السوق، ولكنها لا تحدث إلا في دولة تكون حياة الإنسان فيها غير ذات قيمة. الاختلاف سمة أساسية في كل مجتمع، وانتهاك القوانين أو عدم احترامها هو نتيجة متوقعة من الإنسان الذي يطمع دوماً في تحقيق المزيد لذاته، خصوصاً إذا لم يكن لديه وازع يمنعه من استغلال قدرته على فعل ما يضر الآخرين، يصدق هذا على مرتكب الجريمة وعلى من يقرر عقوبتها. شاهدت مقطعا قبل أيام يعتدي فيه رئيس وزراء إحدى الدول بالضرب على وزير الصحة بسبب إهماله. بحكم الديمقراطية السائدة في تلك الدولة، أتوقع أن يكون التجاوز من فئة منع العلاج عمن لا يملكون تأمينا صحيا، أو إغلاق عيادة. المهم أن الأمر ليس بالجلل لأن البيئة الديمقراطية لا تسمح بـ ''تورم'' المشكلة. وهذا مصطلح أزعم أنني صاحبه. ''تورم المشكلة'' ميزة تنفرد بها الأنظمة الشمولية التي يحصل فيها البعض على حصانة من الملاحقة القانونية والإدارية، ليعيثوا في الأرض فساداً ويهلكوا الحرث والنسل. يخطئ المخطئ بسبب عدم كفاءة أو جهل أو غفلة أو طمع دنيا، فلا يجد من يؤدبه ويرده للطريق المستقيم. وقد لا يجد من يقول له إن ما فعلته خاطئ، بل قد يجد من يشجعه على الخطأ لأي سبب من الأسباب. فتتوسع المشكلة حجماً وآثاراً، بما يشبه تورم الجرح، وقد تتحول إلى خراج بل قد تؤدي إلى شلل العضو ''الجهة'' أو موته. على أن السباب والتلاعن والضرب والقذف بالأحذية ''أجلكم الله'' والمواد المكتبية أدى في كثير من الحالات إلى وضع نقاط تفتيش عند مداخل البرلمانات ومجالس الشيوخ والشورى للتأكد من عدم حمل الأعضاء أسلحة أكثر فتكاً، يستثنى من ذلك مجلس شورانا الموقر. المضاربات والمشادات الكلامية والاعتداءات بين أطراف الصراع في كل قضية سلوك غير حضاري، لكنها في الوقت نفسه تدل على التمسك بالرأي والاعتداد به لدرجة الدفاع عنه فعلاً وليس صوتاً. كل هذا لا يهمنا لأنه ليس من مكونات بيئتنا التنظيمية، وإن كان يمارس في الشوارع والاستراحات، إضافة إلى استفحاله في المدارس أخيراً. استخدام العقاب هو واحد من درجات التعامل مع المخالفات. عاش كثيرون في واحة وارفة من انعدام العقوبة، حتى جاءت التنظيمات التي تشجع السلوك الحسن وتعاقب السلوك المخالف للقانون. لكن التنظيم يظل تنظيماً حتى يأتي من يحوِّله إلى واقع يحمي به الناس والوطن من الفئات المستغلة والمخالفة والمجرمة. كان الشيك في المملكة لا يساوي قيمة الورق الذي يكتب عليه. وبرغم ارتباط إصدار الشيك بقواعد قانونية، استمر الأمر مهملاً لدينا لأسباب ليس هذا مجال ذكرها. حتى جاء وزير شاب يطمح إلى تحقيق تطلعات الوطن والمواطن، فأصدر تعليمات مشددة بضرورة تطبيق الأنظمة على مخالفي القانون في مجال إصدار الشيكات. السجن والتغريم والتشهير، ثلاث عقوبات أعادت للشيك قيمته، وحفظت للسوق توازنه وضمنت مصداقية أكثر للأوراق المالية وبالتالي لنظام الدولة المالي. جاءت بعد ذلك عملية مطاردة المحتالين والمخالفين وصدر الكثير من العقوبات والقرارات التي لم تكن ''صدَّامية''، لكنها نشرت الذعر لدى كثير من التجار والمنشآت المخالفة، التي تؤثر على حياة المواطن سواء المطاعم أو المخازن أو المحال التجارية الأخرى. يأتي قرار الوزير الربيعة بتغريم تجار تآمروا على رفع أسعار الأرز مبلغ 40 مليون ريال ليكون نقطة تحول في مجال تعامل الوزارة مع المخالفين. أعتقد أن تطوير الموقف والتشهير بهؤلاء، بل منعهم من ممارسة العمل التجاري لن يكون ''صدَّامياً'' وإنما سيحقق نتائج مضمونة في مجال احترام النظام. نشر في الوقت نفسه خبر عن تكريم سائقيْ شاحنتين رفضا نقل مواد مغشوشة من مستودعات إحدى الشركات للسوق. هذا التكريم مربوطاً بتغريم الشركتين والتشهير بهما، مهم جداً في ضمان مشاركة المواطنين في تنفيذ خطط الوزارة الرامية لحماية المجتمع. تشجيع المحسن أمر مهم دائماً، وهو ما لم يفعله صديقنا الذي أعاد له أحد العمال من الجنسية البنجلادشية حقيبة تحتوى على 26 ألف ريال، فكافأه بمبلغ 15 ريالا. أظن أنه لو اكتفى بشكره لكان خيراً له من تلك المكافأة المخجلة، لكن لا يعدم الخير في المجتمع، فقد قدمت إحدى الجمعيات الخيرية للعامل مبلغ ألف ريال مكافأة على أمانته. أنهي بأمل أن تسود الشفافية والمحاسبة كل المعاملات التي تهم المواطن، وأن يطبق التشهير بالمخالفين في مختلف التجاوزات، ما إن يصدر الحكم النهائي ونتخلص من مدير سابق وأمين سابق ومحام سابق.
إنشرها