Author

مصيدة المحبين

|
كم مرة قابلت شخصًا تحبه لكنك صدمت عندما التقيته؛ لأنه لم يكن بحجم توقعاتك؟ شخصيًا، الكثير. عانيتُ سنوات طويلة من سقف توقعاتي المرتفع تجاه الأشخاص والمنتجات والمدن. عندما صافحتها ولمستها وسافرت إليها وجدتها أقل بكثير مما توقعت. تقودنا التوقعات الكبيرة إلى خيبات أمل كبيرة. بدأت أخيرًا أتدرب على الترشيد في توقعاتي، بعد أن وقعت في فخها كثيرًا. كلما كان التوقع عاليًا، كان السقوط موجعًا. أحاول ألا أقترف التوقعات العالية تجاه الأشخاص الذين أحبهم؛ لأنها مصيدة تفتك بهم. نبني صروحًا في خيالاتنا لأشخاص وعندما نعانقهم نجدهم دون توقعاتنا. ربما يكونون واقعيًا رائعين، وربما يكونون خلاف ذلك. لكن قطعًا ارتفاع سقف توقعاتنا نحوهم جعلنا نراهم أقل مما توقعنا. سيتحول إحساسنا تجاههم إلى النقيض تمامًا. من الأقصى إلى الأقصى. سلمنا أنفسنا للتوقعات. فسلمتنا التوقعات صورا ملائكية لأشخاص لا يمشون على هذه الأرض. انتشار المنصات الإلكترونية الاجتماعية أذكت لعبة التوقعات. جعلتنا نسرف في نسج صور خيالية عمن نحب ونتابع بناءً على ما يعلقون ويطرحون ويصورون غير مدركين أننا سنرتطم بواقع يختلف تماما عما شيّدناه في رؤوسنا تجاههم. فهم بشر ممتلئون بالعيوب والنقائص، التي سنكتشفها ونراها من كثب يوما ما وستخذلنا. علينا أن ندرك حقيقة أن هذه الصور خيالية وأن الواقع مختلف. الانهماك في التوقعات الكبيرة سيصيبنا بالإحباط بعد أن تخيب ظنوننا في الجميع. لا تقتصر خيباتنا مع التوقعات الكبيرة على الأشخاص فحسب، بل تمتد إلى الكثير من الفصول في مناحي الحياة. نكبر ولا نرى الصورة التي بذرناها في ذهننا عن مستقبلنا. لا تتنبأ بمستقبلك، وإنما اصنعه. نقرأ أو نسمع انطباعات عن كتب وعندما نطالعها لا تروق لنا. ارتفعت توقعاتنا نحوها فانخفض تلقائيا حجم الدهشة في معيتها. نرتاد مطاعم أخبرنا عنها أصدقاؤنا وغير أصدقائنا عن أطباقها وحين نجربها لا نستمتع بالطعم الساحر، الذي تذوقناه في خيالنا قبل أن نتذوقه بلساننا. بعيدًا عن اختلاف الأذواق. التوقع المبالغ فيه يفسد الأشياء. ألا نتساءل لمَ الهدايا تأسرنا وتسيطر على تلابيب قلوبنا؟ لأنها تأتي فجأة. تضع أقدامها الصغيرة على أكتافنا بهدوء كفراشات. نفرح إزاءها بتبذير مخبئين مشاعرنا في عيوننا حتى لا ترتعش أطرافنا من السعادة وتطير دهشتنا. إن أكبر خيباتنا جاءت بسبب توقعاتنا. يقول آرنيست همينغواي: ''الحب لا يجرح. ننزف بسبب توقعاتنا الكبيرة، التي عقدناها عليه''.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها