Author

في مدح الوزير

|
تلصصت على أرشيف صحافي منذ نحو عشرة أعوام. كنت أتسلى. لكن التسلية تحولت إلى نوع من التتبع لخطى هذا أو ذاك من الناس. كانت الحروف تتثاءب حاملة في ثناياها تعليقات مختلفة. تعليقات سرعان ما تتغير وتتبدل. تحليل المضمون يكشف المستور. أقل شيء هو يضع مجهرا على طاحونة التكرار المعتاد يوميا. العبقرية أمس تتحول إلى خطيئة اليوم. الممدوح في تلك الأيام تطويه الصفحات المتراكمة، ليحل مكانه ممدوح جديد. أرشيف يعج بتفاصيل لا تتغير ملامحها. نفس الكلمات، نفس الحماس، نفس النغمة، تتغير الأوقات، الأسماء، ... لكن العبارات تتقدم أو تتأخر، من أجل أن تصوغ الكلمات في مدح هذا الوزير أو ذاك. الحقيقة أن المادح في كل الأحوال يحاول أن يسبح مع تيار الكلمات، متأبطا مفردات تريد في النهاية أن تجسد التفرد في الممدوح. هذا التفرد يتكرر يوما بعد آخر، تتغير الأسماء فقط. ومن هنا يظهر النشاز في أي كلمة تطالب بالتريث قليلا، وإعطاء المسؤول الجديد فرصة قبل إزجاء المديح المبالغ فيه. من جهته يعمد الطرف الآخر إلى رفع سقف الوعود .. وعود طويلة تتبخر برحيل المسؤول. هناك وعود شهيرة: حزام الشمال الصحي الذي سيحقق الرفاه للإنسان هناك، المدن الاقتصادية التي ستوفر ملايين الوظائف ... إلخ. لم يبق من هذه الوعود -مع الأسف- سوى روائح الورق وغبار الصحف وسؤال الناس. لكن المادح والممدوح مستمران في تقديم الكلام اليومي الجميل. قال الملك عبد الله بن عبد العزيز لوزرائه خلال إعلان الميزانية كلمة واضحة جدا: أطلب منكم أن تؤدوا واجبكم بإخلاص وأمانة وتضعوا بين عيونكم ربكم.. ربكم.. ربكم. هذه العبارة يحتاج إليها كل إنسان على هذه الأرض صغيرا كان أم كبيرا. استحضار هذا المعنى يسهم في إثراء الأفعال الحميدة مع ترشيد وعود السراب. نحن نحتاج من مجلس الشورى إلى سعيه مع الجهات الرقابية الأخرى لمحاسبة أصحاب الوعود غير الصادقة، على الأقل كمقابل للمديح المسكوب سابقا.
إنشرها