Author

«إكسبو» .. هل يستحق كل هذا الضجيج؟

|
ضجت وسائل الإعلام عندما أعلن فوز دبي بتنظيم ''إكسبو 2020''، وتوالت التهاني والتبريكات على شيخ الإمارة الصغيرة بهذه المناسبة .. فهل يستحق هذا المعرض كل هذا الضجيج؟ تعود فكرة ''إكسبو'' إلى الأمير ألبرت زوج الملكة فيكتوريا، الذي أقام أول معرض في لندن عام 1851، وتم التركيز خلاله على عرض الابتكارات والاكتشافات وبعض العروض الثقافية التي حولته إلى مهرجان ضخم، توالت بعدها معارض ''إكسبو'' دولياً، ما جعل المعرض يعد اليوم إحدى أهم المناسبات الاقتصادية عالمياً، وقد تقرر في عام 1995 أن يقام كل خمس سنوات بنسخته الشاملة في إحدى دول العالم، بعد منافسات شرسة وحشود ضخمة وحملات ترويج للدول المشاركة، يستمر ''إكسبو'' لمدة ستة أشهر متواصلة، هذا المعرض الذي تسعى إلى الفوز به كثير من دول العالم، يعد مناسبة اقتصادية وترويجية مهمة للدولة المنظمة، كما يعد حدثاً مهما للدول المشاركة لتستعرض فيه قوتها الاقتصادية والعلمية والإنتاجية، في جميع المجالات الحيوية، خاصة ما يتعلق بمستجدات التنمية المستدامة ومصادر الطاقة والمياه والنقل والابتكار في الفرص لتحقيق النمو الاقتصادي. في ''إكسبو'' عادة ما يتم تخصيص أرض ضخمة لإقامة المعرض، وتقيم فيه الدولة المنظمة البنية الأساسية والمرافق العامة، والمرافق الاستثمارية، ويقوم عديد من الدول المشاركة ببناء مبانيها التي تمثلها وتستثمرها لترويج صناعاتها وخدماتها للآخرين، فتجد في المعرض مباني متعددة تمثل الدول المشاركة، تتفنن الدول في الطراز المعماري الذي يعطيها الاستثناء والجاذبية لزيارته، وتبدأ الدول في الاستعداد للمشاركة في هذا الحدث حال ما يتم تحديد الدول الفائزة به، حيث بدأت الدول للاستعداد وترتيب مشاركتها في المعرض القادم في 2015 في مدينة ميلانو الإيطالية منذ سنتين، ويقدر عدد الزوار المرتقبين لـ ''إكسبو ميلان'' بـ 21 مليون زائر بمشاركة 120 دولة، وتعول عليه إيطاليا كنقطة تحول للخروج من أزمتها الاقتصادية. معرض ''إكسبو'' الأخير أقيم في مدينة شنغهاي في الصين في عام 2010، وكان موضوع المعرض هو ''مدينة أفضل لحياة أفضل''، وهو يعبر عن فلسفة مدينة شنغهاي في القرن الحادي والعشرين لتكون من أفضل مدن العالم الجديدة، شارك في المعرض أكثر من 250 دولة ومنظمة دولية، مع نهاية المعرض كان هناك أكثر من 73 مليون زائر. قبل أسابيع فازت دبي بتنظيم ''إكسبو'' 2020، بعد منافسة حامية مع ساوباولو (البرازيلية) وأزمير (التركية) وبكاترينج (الروسية)، في الجولة الأخيرة فازت دبي بالضربة القاضية بـ 116 صوتا من أصل 165 صوتا، ضمن أهم الأحداث التي ينظمها المكتب الدولي للمعارض. ويعد فوز إمارة دبي باستضافة هذا المعرض الاستثنائي، حدثاً استثنائياً بكل المقاييس، ليس لدبي أو الإمارات وحدها، بل لمنطقة الشرق الأوسط، حيث سيتم تنظيمه للمرة الأولى في هذه المنطقة. تحت شعار ''تواصل العقول .. وصنع المستقبل'' ستنظم الإمارة الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط هذا الحدث العالمي الذي سيوسع الفارق بينها وبين جيرانها ليس من الإمارات الأخرى فقط، لكن حتى الدول المجاورة، لتعزز عالميتها وتموضعها العالمي كإحدى أهم الوجهات الاقتصادية والمالية والسياحية في العالم. قررت دبي إقامة مدينة جديدة لـ ''إكسبو'' ما بين مدينة دبي وأبو ظبي على مساحة 4.5 مليون متر مربع تقريباً، وبتكلفة مباشرة تقارب 14 مليار درهم لإقامة مقر المعرض، إضافة إلى 14 مليار درهم كتكاليف للبنى التحتية بما فيها خط المترو الجديد، ما يجعل البعض يتساءل: هل يستحق المعرض هذه التكلفة؟ ستجني دبي مقابل هذه التكاليف عديدا من العوائد المباشرة كأرباح، وغير مباشرة كترويج لسمعتها ومكانتها كمركز اقتصادي عالمي، وتوفير فرص عمل جديدة، وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية رئيسة، حيث تتوقع دبي أن يتجاوز زوار المعرض 25 مليون زائر، وأن تحقق عوائد قدرها 139 مليار درهم، إضافة إلى توفير 227 ألف فرصة عمل، إضافة إلى جذب عدد كبير من الزائرين من خارج الإمارة والعارضين إلى الإقامة فيها، كما قدرت بعض التقارير المالية بأن ''إكسبو'' سيضيف 1 في المائة سنوياً إلى نمو اقتصاد الإمارات خلال السنوات السبع المقبلة. وماذا بعد ''إكسبو''؟! ماذا سيتم لهذه المدينة الجديدة والإنشاءات والاستثمارات في هذه الإمارة الصغيرة؟ رداً على ذلك صرحت ريم الهاشمي وزيرة الدولة الإماراتية والمسؤولة في ملف استضافة ''إكسبو 2020'' بأنه سيتم تحويل مقر المعرض بعد انتهائه إلى مجمع يضم جامعة ومراكز أبحاث ومتحفاً وطنياً، ما يعزز ما تخطط له دبي أصلا، بأن تصبح عاصمة للاقتصاد الإسلامي بحلول 2017، وكذلك مضاعفة عدد سياحها إلى 20 مليون سائح بحلول عام 2020 بغض النظر عن ''إكسبو''. لكن لماذا قد ينجح ''إكسبو'' في دبي ولا ينجح في الدول الأخرى في المنطقة؟ في رأيي أن النجاح له وصفة تفننت دبي في تشكيلها، هذه الوصفة تجمع بين العمل المؤسسي والتنظيم الخلاق، والشفافية ومحاربة الفساد، ومكافأة المسؤولين المخلصين ومعاقبة المتكاسلين والفاسدين، والطموح الذي ليس له مدى، والإبداع الخلاق، والجرأة والإقدام، والمساواة والعدل، وبناء ثقافة تحترم الإنسان والبيئة والنظام العام. من هذه الوصفة البسيطة بدأت دبي ترسم مسيرة إمارة، تتشبب دوماً ولا تشيخ، فالتخطيط بعيد المدى، والتنفيذ الدقيق، والاستفادة من الأخطاء وسرعة التصحيح للخلل، والتسويق الصحيح، والاستفادة من عيوب جيرانها لترويج منتجاتها، نتج عنها بنية أساسية وتشريعية وتنظيمات وثقافة سسيحتاج جيرانها إلى عقود للحاق بها. بذلك انتقلت دبي من المقارنات مع المدن المحلية وتجاوزتها إلى المدن العربية، فلما لم تجد منافساً تفوقت على نفسها مقارنة بالمدن الأوروبية، فكانت محوراً لما حولها، فلا تقارن حالياً في ذلك إلا مع سنغافورة في الشرق، أو سويسرا في الغرب، وأظن دبي تفوقها في تحقيق المستحيل واللا ممكن .
إنشرها