Author

فتح الصندوق العُماني

|
مستشار اقتصادي
تصريحات وزير الخارجية العُماني حول اتحاد مجلس التعاون بعثت على نقاش حيوي وإن لم يكن في أغلبه موضوعيا. يتشكل التفكير ومن ثم الممارسة المجتمعية في الدول بناء على المحيط الوجداني والحقائق المادية، عُمان مثل غيرها من الدول لا تخرج عن سقف الوجدان وأرضية الواقع. تحتل عُمان زاوية من الجزيرة العربية بين صحراء الربع الخالي وبحر العرب، ما جعل تطورها التاريخي، خاصة الإمبراطوري يعطيها أبعادا عاطفية مختلفة جذريا عن دول الخليج الأخرى، حتى اليمن على الرغم من بعض التطابق بين أجزاء من عُمان وحضرموت وتداخل تاريخي وسكاني مع الإمارات. أضاف البعد المذهبي بعدا آخر في عامل التباعد الوجداني مع الدول المجاورة. ماديا عُمان بلد واسع عشائريا وقليل الكثافة السكانية يعتمد على النفط ولم يحقق اختراقا تنمويا أسوة بدول المنطقة العربية. ما زال الوجدان العُماني حبيس التفاخر بالتاريخ الإمبراطوري الذي امتد جنوبا إلى إفريقيا، خاصة تنزانيا وزنجبار وشرقا إلى بلوشستان. تغيرت الأوضاع وانكفأ العُمانيون على مدن الساحل العُماني بعد أن دخلوا في حرب أهلية انتهت بتوحيد عُمان تحت السلطان قابوس بن سعيد. التجربة والتركيبة السكانية وأمجاد الماضي تحكم العُماني في عمق نظرته الاستقلالية وحساسيته المفرطة أحيانا تجاه الآخرين. العناصر المكونة لهذه النظرة العاطفية مع البعد المذهبي أسهمت في إيجاد حالة من الوعي والممارسة السياسية المختلفة، لكن عُمان مثل غيرها لا تعيش على أطلال الماضي والسياسة فقط، إنما الحقائق الجغرافية والسكانية والاقتصادية على الأرض، فهذه مجتمعة أقوى تأثيرا مستقبلا. استحقاقات الإمبراطورية تختلف عن استحقاقات دولة صغيرة نامية. يحكم عُمان منذ 1970 كأقدم حاكم عربي السلطان قابوس بن سعيد الذي استطاع تحقيق نقلة نوعية في جميع ميادين الحياة بمساعدة تصدير النفط والغاز ودعم دول الخليج مقارنة بالكثير من الدول العربية، لكن عُمان لم تحقق تقدما ملموسا مقارنة بدول شرق آسيا على سبيل المثال. عُمان بلد صغير اقتصاديا، فمثلا القيمة السوقية لسوق مسقط المالية تعادل نحو 80 في المائة من قيمة شركة الاتصالات السعودية، كما أنها تعتمد على العمالة الأجنبية في القطاع الخاص الحاسم لتنمية حقيقية مثل غيرها من دول الخليج. شرعية السلطان لها بعد تاريخي، لكن الأداء والانضباط كان له دور واضح. تعاني عُمان تناقصا ملحوظا في إنتاج النفط وأداء متواضعا في سلم القيمة المضافة، وآفات الانقسام في توزيع الثروة والتركيبة السكانية وقرب نهاية فترة حكم طويلة دون خليفة مؤكد قد لا يستطيع التكيف مع التحديات القادمة. لأسباب داخلية مرتبطة بالعوامل السياسية (محصلة التفكير العاطفي وحساسية التركيبة السكانية) ستسعى عُمان إلى الحفاظ على علاقة ذات مسافة مريحة مع جميع الدول والتجمعات السياسية مثل مجلس التعاون والجامعة العربية. فالمحيط الهندي يعطي العُماني بوصلة تتجه جنوبا وشرقا، لكن الحقائق الجغرافية واللغة والدين والمصلحة أقوى في المدى البعيد. لذلك سيكون هناك توجه يحمل درجة عالية من الرغبة في الانكفاء على الرغم من القدرات والحجم. لعل السؤال: هل تستطيع الحكومات القادمة التقدم والمحافظة على هذا التوازن في ظل تناقص النفط والتركيبة السكانية العُمانية المغطاة والحاجة إلى الجيران وصعوبة استمرار أداء من يخلف السلطان في ظل ضعف الأداء الاقتصادي وتراكم العيوب الهيكلية؟
إنشرها