Author

إصلاح الوزارات .. تحديات قائمة

|
يهتم خادم الحرمين الشريفين بالمواطن وخدمته. يضع الملك هذه المعايير كأساس لتعامله وتقويمه لعمل المسؤولين المرتبطين به. وكم سمعناه يؤكد على هذه النقطة، خصوصاً في أوقات صدور الميزانيات كهذه. لكن هناك إشكالات هيكلية لا بد أن يتعامل معها جهاز الإصلاح الإداري لتحقيق رؤية الملك. لعل تداخل المصالح Conflict of Interest هو القضية الأهم التي تشغل بال كل مؤسسي ومنظمي ومطوري الهياكل التنظيمية على كل المستويات. هذه الإشكالية تؤدي إلى زيادة تأثير العلاقة الشخصية والمصالح الخاصة في أداء المؤسسات والوزارات والشركات. كلما ارتفع مستوى الارتباط الإداري بين الجهة التنفيذية والجهة الرقابية، أو اعتماد الوحدة الرقابية على التنفيذية أو الحاجة إليها، ظهر الفساد واستشرى تدريجياً. التدريج هنا هو أساس كل المشكلات، فهو مثل السيل الغادر الذي يأتي من تحت أقدام الناس ليدمر أساسات العمل الإداري وقواعده، ومن ثم يسقط البناء كلية. أين نرى تضارب المصالح اليوم؟ هناك تضارب مصالح منتشر في كل الأرجاء، فداخل المؤسسات يوجد الممثلون الماليون وممثلو إدارات المراجعة الذين يحتاجون إلى تلك الإدارات في كل شيء من المواد المكتبية مروراً بالخدمات والأثاث المكتبي والسيارات والانتدابات وغيرها كثير. بل إن حالة المراجعة الداخلية أكثر اعتماداً على الوزارة، لأن وظائفها وترقياتها تتم عن طريق الجهة التي تراقب وتراجع أعمالها، وهو سبب السلبية الملاحظة في أعمال المراجعة الداخلية. على مستوى أكبر نجد تداخل المصالح بين وزارتي المالية والخدمة المدنية وكل الجهات الرقابية بل وكل الجهات الحكومية. إن اعتماد كل الوزارات والمؤسسات والهيئات على هاتين الوزارتين وقرارات موظفيهما عند مناقشة الميزانيات والوظائف، يضمن أن تكون اليد العليا في كل شيء لهاتين الوزارتين، فلا يجرؤ أحد على انتقاد عملهما أو اتخاذ إجراءات نظامية حيال المخالفات فيهما. وهناك من القصص ما يؤكد عجز هذه الجهات الرقابية عن التدخل في الوزارتين. يأتي في مكان آخر تداخل مصالح بين الوزارات والهيئات المنظمة لأعمال معينة والشركات التي تعمل تحت سيطرتها أو قوانينها، ولعل أبرز هذه الحالات هي حالة الخطوط السعودية وهيئة الطيران المدني. ليس من الممكن تبرير ربط الجهة المنفذة للخدمة بالجهة المنظمة لها أو صاحبة الصلاحية عليها إذا كانت الجهة هي الوحيدة التي تقدم الخدمة، فكيف إذا كانت هناك عدة جهات تنفذ الخدمة، سيتحول تداخل المصالح إلى منافسة غير عادلة الخاسر في نهايتها هو المواطن. قد تكون هناك حالات مماثلة وأتوقع أن تكون كثيرة. يؤدي عدم وجود تنظيم واضح لإصدار التشريعات والقوانين والأنظمة إلى ظهورها مسلوقة بشكل غير احترافي. قال لي أحد المسؤولين إن نظام الجهة التي يديرها أعد وعرض وأقر خلال 60 يوماً. لا أمانع أن تكون هناك كفاءة في إعداد النظام أو اللوائح، ولكن 60 يوماً لا تكفل نظاماً واضحاً يغطي جميع جوانب العمل. لعل من المفيد أن يصدر تنظيم يعطي صلاحيات واضحة للجهات التشريعية مثل مجلس الشورى، ويزود المجلس بما يحتاج إليه من المستشارين والمتخصصين في مجالات التشريع وإصدار القوانين. تداخل المهام والاختصاصات مشكلة قائمة، تم حلها في بعض الحالات، لكنها لا تزال تسيء لمجهود الدولة الرامي إلى تقديم خدمات متفوقة، فكم سمعنا من العبارات مثل: هذا ليس من اختصاصنا. تكلف وزارات وهيئات ومؤسسات بجزئيات محددة من معاملة واحدة، وتبدأ عندها عمليات التهرب من المسؤولية عن العمل المطلوب بسبب عدم أداء الجهة الفلانية مهامها. المالية والاقتصاد متداخلتان والاستقدام يخضع لأكثر من جهة، والبلديات والكهرباء والنقل أمثلة أخرى. إن تكليف الجهة بمهمة معينة وإعطاءها كل الصلاحيات لتنفيذها يمكن الجهات الرقابية من المحاسبة وإصلاح الأخطاء والتعامل معها بشكل علمي. تقع الكثير من الجهات الحكومية فريسة البطالة المقنعة التي يسببها التوظيف غير المبرر. إن توظيف أعداد كبيرة دون ربط الوظائف بمهام معينة، يجعل القطاعات أقل إنتاجية، وهذه قاعدة مهمة ومعلومة لدى المختصين في الموارد البشرية. نشهد اليوم تمدداً غير منطقي لوزارات معينة على الرغم من استمرار حجم عملها ومهامها. كما نشاهد تكثيف المكاتب والهيئات والوزارات في العاصمة ومعها الطاقة البشرية، ثم نذهب إلى مناطق مهمة لنكتشف عجزاً كبيراً في الموظفين والخدمات. يجب أن يقنن حجم الوزارات من قبل الجهات المسؤولة عن الإصلاح الإداري بطرق علمية، تعتمد على مفهوم الاقتصاد في القوة كعامل مهم. هذه مجموعة من التحديات القائمة التي أراها، والأكيد أن هناك غيرها. نحن بحاجة إلى تقويم منهجي وإصلاح مستمر لكل ما يشوب العمل العام، وإدخال مفاهيم التفويض والتخصيص بطريقة علمية.
إنشرها