Author

الاستثمار مع الخبراء في شركات الملكية الخاصة

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
ظهرت في السنوات الأخيرة آلية جديدة للاستفادة من العوائد التي تحققها الشركات المتخصصة في مجال الملكية الخاصة، أو التي يطلق عليها شركات ''برايفيت إيكويت''، وهي شركات تجمع رؤوس أموال كبار المستثمرين لاستثمارها في مجالات عديدة ومتنوعة، تشمل فئات متنوعة من الأصول، كالأسهم والسندات والعقار والمعادن، وغيرها، باستخدام أساليب استثمارية متقدمة واستراتيجيات معقدة، كالمشاركة في رؤوس الأموال المجازفة، والاستحواذ على حصص أقلية في شركات قائمة، أو التمويل من خلال شريحة المزانين (ليس لذلك علاقة بمزايين الإبل)، أو من خلال الاستثمار في الشركات المتعثرة أو تلك التي تواجه تحديات معينة. يوجد لدينا في المملكة بعض الشركات الاستثمارية العاملة في بعض أوجه الملكية الخاصة، غير أنها قليلة وليس بإمكان الفرد العادي المشاركة فيها، علاوة على عدم وجود تنظيم خاص بها، فهي ليست خاضعة لأنظمة هيئة السوق المالية لكونها شركات غير مدرجة، وليست خاضعة لأي إشراف حكومي محدد، عدا الشروط النظامية لتأسيس الشركة، سواء كانت شركة تضامنية أو بالمحاصة أو ذات مسؤولية محدودة. من يرغب الاستثمار المباشر في هذه الشركات يمكنه القيام بذلك بالتواصل مباشرة مع الشركة المعنية، غير أننا هنا نتحدث عن المستثمرين المؤسسين وكبار المستثمرين فقط، كون هذه الشركات تشترط رؤوس أموال ضخمة جداً، تتجاوز عشرات الملايين من الريالات. لذا بقي الاستثمار في شركات الملكية الخاصة أمراً غير ممكن لصغار المستثمرين، إلا من خلال بعض الشركات - التي لأسباب نظامية لا تسمى شركات ملكية خاصة، بل شركات تطوير أعمال - والتي تمكّن المستثمر من المشاركة في استثماراتها. غير أن شركات الملكية الخاصة تختلف في طبيعة استثماراتها وضوابط عملها، بشكل يجعلها ذات جاذبية كبيرة لبعض فئات المستثمرين. لذا تقوم بعض شركات الملكية الخاصة بتكوين صناديق معينة للاستثمار في الملكية الخاصة، وتطرح أسهم هذه الصناديق للمستثمرين، ومن ثم تقوم بتوظيف خبراتها الفنية في تنمية تلك الاستثمارات. أي أن الأسهم المتداولة ليست أسهم ملكية في شركة الملكية الخاصة ذاتها، بل فقط في أحد الصناديق التي تديرها الذراع الإدارية للشركة. ظهر بعد ذلك ما يعرف بصناديق الصناديق، ويقصد بها الصندوق الاستثماري الذي يوظف أمواله لشراء حصص في عدة صناديق استثمارية متخصصة في الملكية الخاصة، والهدف من هذه الصناديق تقليص المخاطرة على المستثمر، بحيث لا يغامر بأمواله في صندوق واحد. ومثل صناديق الصناديق، ظهرت هناك صناديق مؤشرات صناديق الملكية الخاصة (المعروفة بالمختصر إي تي إف)، والتي تتميز عن صناديق الصناديق بأنها تعمل كأسهم عادية قابلة للتداول من خلال البورصة. غير أن هذه النماذج ليست ذات جاذبية كبيرة لدى المستثمرين العاديين، أولئك الذين يرغبون في الدخول بأموالهم مع أموال كبار المستثمرين، لا مجرد الاستفادة من خبرات القائمين على إدارة شركات الملكية الخاصة. لذا فقد ظهر في السنوات الأخيرة أسلوب آخر للاستفادة من شركات الملكية الخاصة، وذلك بقيام الشريك العام بطرح ملكيته في الشركة من خلال أسهم قابلة للتداول. لتوضيح الفكرة من مشاركة المستثمر العادي في ربحية شركات الملكية الخاصة، أشير إلى أنه يتم تأسيس شركات الملكية الخاصة كشركات ذات مسؤولية محدودة، يديرها شريك عام يحقق مكافأته من خلال استقطاع نسبة معينة من الأرباح، غالباً في حدود 20 في المائة من أرباح الشركة، إضافة إلى رسوم إدارية في حدود 1 إلى 2 في المائة. هذا يعني أن الشريك العام هو الشخص - أو الجهة - التي تستفيد مباشرة من أموال المستثمرين، وهي الأموال ذاتها التي يود المستثمر العادي ركوب موجتها. لذا فإن الاستثمار في أسهم الشركة المدرجة، التي تمثل فقط الجزء الإداري من الشركة، يعني المشاركة في ربحية الشريك العام، البالغة نحو 20 في المائة، وهي تمثل أرباحاً كبيرة عطفاً على حجم الأصول. على سبيل المثال، بلغت إيرادات مجموعة كارلايل لعام 2012 نحو 2.2 مليار دولار بصافي ربح بلغ نحو 650 مليون دولار، وهذه فقط أموال الشريك العام وحملة الأسهم. أما كبار المستثمرين فإنهم يجنون نحو 80 في المائة من الأرباح، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن أصول مجموعة كارلايل تتجاوز 185 مليار دولار، وهي أموال كبار المستثمرين من مؤسسات تقاعد وصناديق حكومية وبعض كبار المستثمرين. لذا فإن استثمار صغار المستثمرين ليس في أصول الشركة، كون ذلك ملك للمستثمرين الأصليين، بل إنه فقط في إدارة الشركة، وهذه نقطة مهمة يجب على المستثمر العادي إدراكها قبل أن يقرر شراء أسهم مجموعة بلاك ستون أو مجموعة كارلايل أو غيرهما. أقرب مثال لدينا في المملكة لشركات الملكية الخاصة المدرجة، نجده في أسهم شركة المملكة القابضة، التي تعمل في عدة نشاطات من ضمنها مجال الملكية الخاصة ذاته، غير أنها لا تعتبر شركة ملكية خاصة، بل شركة استثمارية قابضة. كما أن الاستثمار في شركة المملكة القابضة يعتبر استثماراً مباشراً في أصول الشركة، بعكس الاستثمار في مجموعة كارلايل، على سبيل المقارنة، أي أن نموذج شركة المملكة القابضة أقرب لنموذج شركة تطوير الأعمال، المعروفة في الولايات المتحدة منذ عشرات السنين. ختاماً، تتميز شركات الملكية الخاصة بأمرين رئيسين، أولاً كونها تدار من قبل مختصين متميزين، لهم دراية عظيمة بأسواق المال والاقتصاد بشكل عام، وثانياً كونها تستقطب رؤوس أموال كبيرة. وعلى الرغم من وجود عدة نماذج لمشاركة المستثمر العادي في هذه الشركات - ربما أفضلها شراء الأسهم المدرجة للشريك العام - يبقى الشيء الوحيد المؤكد أن المستفيد الأكبر هو الشريك العام، الذي يستقطع غالباً 20 في المائة من عوائد الأموال المهولة التي تم ضخها في الشركة. وهناك أمثلة كثيرة لأفراد حققوا ثروات بمليارات الدولارات من خلال تأسيسهم شركة ملكية خاصة، دون قيامهم باستثمار أي من أموالهم، أو باستثمار مبالغ قليلة جداً.
إنشرها