Author

السعودة الوهمية .. أخطر من البطالة

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
يُقدّر ارتفاع عدد العمالة الوطنية في القطاع الخاص ــــ وفقاً لبيانات وتصريحات مسؤولي وزارة العمل ــــ حتى نهاية العام الجاري بـ 1.3 مليون عامل سعودي، بنسبة ارتفاعٍ سنوي 15 في المائة، يؤمل معها أن يرتفع معدل التوطين إلى رقمٍ أعلى من المسجّل في نهاية 2012 البالغ 13.4 في المائة، كونه المعدل الذي يعكس فعلياً مدى التقدم المتحقق، ويصعب تقديره في ظل غياب إفصاح وزارة العمل عن حجم العمالة الوافدة للفترة نفسها، وهو ما سيتبين بصورة دقيقة فور نشر إحصاءات الوزارة السنوية. حسب تصريحات وزير العمل، بلغ عدد السعوديين الذين تم توظيفهم في القطاع الخاص منذ بدء تطبيق برنامج نطاقات إلى اليوم نحو 723 ألف مواطن ومواطنة، وهو ما يعادل تقريباً عددهم بنهاية 2010 البالغ 724.7 ألف يعملون في القطاع الخاص، بزيادة بلغت نسبتها 99.8 في المائة خلال ثلاثة أعوام فقط. لا شك أنها أرقام ومعدلات نمو غير مسبوقة في تاريخ التوظيف في القطاع الخاص، وتستحق الاهتمام، وقبل أن نقول إنها تستحق الإشادة والثناء، يجدر القيام بإجراء تحليل دقيق لها، ومن ثم يمكن الحكم عليها على بينة وهدى. إذ ليس شرطاً إن حملت الأرقام الإجمالية في ظاهرها قفزات إيجابية وقياسية كما هو ظاهر أعلاه، أنها تمل الإيجابية ذاتها في تفاصيلها بعد التحليل، ولسنا ببعيدين عن تجربة سابقة؛ تمت فصولها الدراماتيكية على يد الهيئة العامة للاستثمار بأكثر من 500 مليار ريال، ظلت تتدفق على اقتصادنا من خارج البلاد طوال نحو سبع سنوات، ظنناها سبعا سمانا، لكن سرعان ما أكتشف أنها ليست سوى سبع سنوات عجاف. يقوم تحليل إحصاءات وزارة العمل الأخيرة على جزأين رئيسين: 1) بمقارنة الفارق الفعلي بين عدد العمالة الوطنية في القطاع الخاص في نهاية كل من 2010 (724.7 ألف عامل) و2013 (1.3 مليون عامل)، فإنه سيبلغ 580 ألف عامل (زيادة 80 في المائة)، لكن وفقاً لتصريحات وزير العمل الزيادة وصلت إلى 723 ألف عامل! هناك فرقٌ يبلغ قدره نحو 143 ألف عامل، ترى ما تفسيره؟ يمكن تفسير ذلك الفارق على أنه يشمل: العمالة المتوفاة، والعمالة المحالة للتقاعد، والعمالة التي استقالت أو فصلت، وليس مبيناً لدى أي جهة كانت هل عادوا للعمل أم لا. وفقاً لإحصاءات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يقدر مجموع المحالين للتقاعد والمتوفين على رأس العمل خلال الفترة 2011 ــــ 2013 بنحو 81.7 ألف عامل، ما يعني أن عدد الذين استقالوا أو فصلوا يقدر بنحو 61.3 ألف عامل، هل هم ضمن الـ 724.7 ألف المعلن عنهم؟ لا أحد يعلم إلا وزارة العمل، والأمنيات أن يكونوا ضمنهم دون شك. في ختام هذه الجزئية، يجب القول إنه حتى الزيادة الفعلية البالغة 580 ألف عامل، تظل زيادة إيجابية وقياسية. 2) نأتي للأهم؛ كنت في مقال سابق وبناء على البيانات السنوية الرسمية الصادرة عن وزارة العمل، أوضحت أن أعداد العمالة الوطنية في القطاع الخاص زادت خلال عامي 2011 و2012 بنحو 410 آلاف عامل، وبإضافة الزيادة الفعلية خلال 2013 البالغة 170.1 ألف عامل، يصبح إجمالي الزيادة لكامل الفترة 580 ألف عامل. كشفت إحصاءات وزارة العمل حتى نهاية 2012 أن 46.2 في المائة من إجمالي الزيادة، تركز على نشاط التشييد والبناء (149.4 ألف وظيفة)، وبإضافة الزيادات اللافتة في النشاطات: تجارة الجملة والتجزئة، والزراعة والصيد، والخدمات الجماعية، تكون نسبة استحواذ تلك النشاطات مجتمعة قد ارتفعت إلى 74 في المائة من إجمالي الزيادة (295.3 ألف وظيفة). استوقفت هذه الأرقام عضو مجلس الشورى ''سليمان الحميد''، في جلسة شورية نوقش خلالها التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية قبل نحو شهرين، مصرحاً بأنها تحمل في أغلبها توظيفاً وهمياً تتحمل مسؤوليته وزارة العمل. وهو ما أكده تحليل أرقام التقرير السنوي 2012 لوزارة العمل، ومقارنته بالتقارير السنوية السابقة، إذ توصل إلى أن 74 في المائة من زيادة توظيف العمالة الوطنية، غلبت عليها السعودة الوهمية، ولفت الانتباه بصورة أكبر، استحواذ 42 في المائة من نشاط التشييد والبناء على زيادة توظيف الإناث، وانخفاض متوسط أجور المواطنين في القطاع الخاص بـ ــــ 14 في المائة للفترة نفسها، وغيرها من الشواهد التي سبق إيضاحها، جاءت مؤكدة تفاقم هذه المخالفة الصريحة. السؤال: هل استمر نمط السعودة الوهمية خلال 2013، وأسهم في 170.1 ألف وظيفة التي تحققت خلاله؟ يبدو أن ذلك ما حدث فعلاً، إذ نشرت صحيفة ''الاقتصادية'' في عددها 7350 تصريحاً لوكيل وزارة العمل للتفتيش وتطوير بيئة العمل؛ أن 90 في المائة من المخالفات التي رصدتها الوزارة خلال 15 يوماً من بداية حملتها التفتيشية، تركزت في تشغيل العمالة المخالفة للأنظمة عند الغير، إضافة إلى مخالفة التوطين الوهمي! مؤدى ما سبق؛ أنه يحتمل وجود أكثر من 125.8 ألف وظيفة وهمية خلال 2013، ليرتفع عددها الإجمالي خلال 2011 ــــ 2013 إلى أكثر من 429.2 ألف وظيفة! الخلاصة: يتبين أن الزيادة 723 ألف وظيفة، تضمنت زيادة فعلية لـ 580 ألف وظيفة، وأن الوظائف الحقيقية منها لم يتجاوز 150.8 ألف وظيفة، فيما يشتبه في وجود 429.2 ألف وظيفة وهمية! وهو ما يقتضي أن تتسم تصريحات وزارة العمل بالدقة والموضوعية، ذلك أنها بهذا الأسلوب تشجع المتورطين في مخالفة ''السعودة الوهمية''، ومن جانب آخر توقع نفسها والاقتصاد الوطني في ورطة، نتفق جميعاً أننا في غنى تام عنها، فكما يتبين أن الإنجاز الحقيقي لا يتجاوز 20.9 في المائة من الرقم المعلن 723 ألف وظيفة. إن وضع الأمور في إطارها الحقيقي والسليم، هو ما سيؤسس لبناء أرض صلبة، يمكننا جميعاً الوثوق بها مستقبلاً، في حين أن وطأة قدمٍ واحدة على أرضٍ رخوة، ستجرنا جميعاً إلى سقوط مروع، فما بالنا والحديث هنا عن 429.2 ألف وظيفة وهمية؟! فالحذر كل الحذر، أن نهرب من خطر البطالة إلى ما هو أخطر منها!
إنشرها