Author

مستشفى عرعر والتحرش

|
تحدث الدكتور حمد المانع وزير الصحة السابق، بشيء من الحرقة عن آخر أيامه في الوزارة. لعل اللقاء الذي جاء بالأمس يعطي مدلولات كثيرة عن حال وأسلوب توزيع الأدوار في وزاراتنا العتيدة. يعتقد الوزير عندما يخرج من الوزارة أنه استهدف بالإعفاء لسبب أو آخر. يعزز كثيرون من جلسائه ذلك الشعور، ليتحول الأمر إلى علاقة سلبية بين المسؤول وكل من يخلفونه. عدم تطبيق التنظيم الذي صدر ليحدد مدد شغل الوظائف على مرتبة وزير والمرتبة الممتازة والتمديدات غير المبررة في مختلف المستويات الوظيفية أدى إلى مثل تلك المشاعر لدى المعفين والمتقاعدين. تحدث الوزير عن إحضار طاقم كامل مع الوزير الجديد عوضاً عن الطاقم الذي كان يشغل مناصب وكلاء الوزارة والإدارات الرئيسة. حدث هذا من قبل في أكثر من وزارة ومؤسسة، وهو ظاهرة غير صحية. الوزير يأتي بفكر وأسلوب قيادي ليبني على ما أسسه من سبقوه، لكن المفهوم الذي يأتي به الوكلاء والمديرون الجدد هو أن هناك فشلا ونحن مسؤولون عن إصلاح ما فسد من أمر الوزارة. هذا كلام غير صحيح، حتى لو كان إعفاء المسؤول نتيجة أخطاء أو تجاوزات، فليس من المفروض أن يأتي من يخلفه بطاقم جديد يبقى تحت التدريب لسنة أو أكثر، ويبدأ بكسر كل ما تم إنجازه في السابق، وتحويل مسار العمل بشكل درامي. هذا هو العمل غير المؤسسي الذي نعانيه في أغلبية الوزارات. خطط السابقين هي ''خرابيط ''، ويجب إلغاء ما يمكن إلغاؤه منها. المشكلة أن المتأثر النهائي من تلك ''المغامرات'' هو الوطن والمواطن. كان حديث الوزير عن خريجي المعاهد والكليات الصحية العامة والخاصة الدليل الأكثر وضوحاً على انعدام العمل المؤسسي في الوزارة. بعد الاتفاق الذي أبرمه الوزير مع التعليم العالي لتبني تلك المعاهد وإدارتها بدلاً من وزارة الصحة، جاء من رأى أن تلك المعاهد والكليات ليست بالمستوى الذي يؤهل خريجيها للعمل في الوزارة، وأي وزارة تلك ونحن نعرف مستوى أدائها. ليبقى أبناء البلد ضحايا لقرارات إدارية غير مؤسسية وطمع مالكي المعاهد والكليات. هذا هو التخبط الذي يحدثه أسلوب التفكير الذي يسود بين كثير ممن يتولون المناصب الوزارية، وهم لم يحصلوا على التأهيل الكافي في مجالات الإدارة والقيادة، وهو أيضاً نتيجة حتمية لعدم مركزية التخطيط التشغيلي، إذ يتم تغيير الخطط فجأة حتى دون أن يتم الاستئذان من أي جهة سواء المقام السامي أو ما دونه كوزارة التخطيط. أضرب مثالاً على هذه الحالة من مؤسسة واحدة رأسها واحد، وهي جامعة الأميرة نورة. يشاهد كل من يمر قرب المبنى القديم للجامعة أن هناك مباني بدأ تنفيذها في الفترة نفسها التي كان يتم فيها تنفيذ المشروع الرئيس للجامعة في أرض المطار. حتى إن أحد المباني الكبيرة الذي يبدو وكأنه قاعة محاضرات كبرى لا يزال ''عظما''، فأي تخطيط وترابط خطط هذا بالله عليكم؟ ثم جاءت الفكرة العبقرية بتسليم المنشأة بالكامل لوزارة الشؤون الاجتماعية التي لا تحتاج سوى إلى 10 في المائة من الموقع. ثم تحول إلى مأوى للإثيوبيين. ولو كان لي من الأمر شيء لأوكلت أمر توزيع المباني الموجودة في الموقع على جميع وزارات ومؤسسات الدولة التي تسكن بالإيجار من قبل لجنة وزارية، لكنها الارتجالية. عندما يخرج أي وزير يجب أن يُمنَع الوزير الجديد من إحضار أي شخص معه سوى موظفيه الخاصين كسائقه أو مسؤول مواعيده أو من يراجع معاملاته الخاصة، أما من يديرون العمل فليسوا جزءاً من متعلقات الوزير التي تأتي معه وتذهب معه. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأنني لاحظت أن أنجح المديرين هم الذين يأتون ليحفزوا جميع من يجدونه أمامهم من الموظفين ومنهم وزير سابق لم يحضر معه أحد سوى سائقه الشخصي. كما شاهدت وزراء ورؤساء مؤسسات جاءوا بطواقم محسوبة عليهم فلم ينجزوا المطلوب، وخرجوا والمؤسسات أسوأ مما كانت قبل وصولهم. وزارة الصحة اليوم في حال سيئة، فبعد الأخطاء الطبية ونقص الكوادر، ومشاكل توفير الأدوية، ظهرت على السطح حالات التحرش التي بدأت تنتشر وتأخذ حيزاً في وسائل التواصل والإعلام. أعادت شكاوى الموظفات في الوزارة إلى الأذهان الكثير من حالات التأديب الصارم الذي اتخذ في حق المتجاوزين قديماً، وهذا ما نتمناه. ظهرت صور مؤسفة من مستشفى عرعر لتدلل على أن المشاكل تجاوزت الطواقم الطبية والصيدلانية لتصل إلى التشغيل والصيانة، فخروج المياه بلون بني غامق يدل على أن الوضع تجاوز الحد، واعتراف الشؤون الصحية إدانة لأسلوب عمل الوزارة. أصبحت الحاجة ملحة إلى تغيير منطقي وعملي يخدم المصلحة العامة.
إنشرها