''ضعف الإملاء'' مشكلة لم تعد حكرا على طلاب وطالبات المدارس العام فقط، حيث يؤكد أساتذة الجامعات في السعودية أن المشكلة أصبحت تنتشر بشكل ملحوظ لدى الطلبة والطالبات وحتى الموظفين في الجامعات دون وجود حلول ناجعة، ما يضعف مخرجات التعليم عموما.
وفي الوقت الذي تشير أصابع الاتهام للمعلمين حيث بات ضعفهم في هذه المهارة مؤثرا بشكل كبير في الطلبة الذين لا يجدون مع تقدم العمر من يُصحح لهم، لتنمو معهم الأخطاء فيما بعد ويصعب تداركها، اعتبرت مختصات أن أسلوب التعليم التقليدي في الجامعات أحد الأسباب، خاصة أن الجامعات لا تمتلك حلولا سوى خصم نسبة بسيطة من الدرجة على الأخطاء الإملائية.
وتبين لـ ''الاقتصادية'' الدكتورة الجوهرة الصنات مستشارة في تعليم وتطوير الموارد البشرية، أن الضعف في الكتابة والتعبير بات مشكلة واضحة لدى نسبة ليست قليلة من طلاب وطالبات التعليم العالي نتيجة لسياسات التعليم سواء في مرحلة التعليم العام أو العالي أيضا.
وتضيف الصنات'' أن انتشار الأخطاء الإملائية بين الطلبة في الجامعات عموما وفي مختلف التخصصات حيث ازدادت الشكوى أخيرا من أعضاء هيئة التدريس لتدهور الخطوط والقدرة على كتابة جملة صحيحة ومفيدة، فضلا عن الأخطاء الفادحة في إملاء الكلمات، مستغربة كيف يصل طالب لا يجيد الكتابة إلى المرحلة الجامعية ويتجاوز جميع الأسوار والمحطات التقييمية المختلفة من اختبارات عامة وتحصيلية وقدرات وغيرها، منوهة بأن ذلك يشير إلى خلل في تلك الاختبارات وعدم قدرتها على اختيار الأفضل أو تأهيل الطلبة ليكونوا بمستوى المرحلة الجامعية التي يفترض أن تكون مرحلة إبداع وليست تلقينا. وأشارت الصنات إلى أن معرفة الإملاء والإلمام به وإتقانه، أمر بالغ الأهمية في القدرة على التعبير عما يجول في خاطر الطالب بشكل مفهوم وواضح. فالكتابة الصحيحة والخط الواضح يعكسان قدرة الطالب وذوقه السليم، وهما يساعدانه على فهم الحقائق والخروج بنتائج جيدة، من جراء قراءته الموضوع، وبالتالي تعطي الكتابة الصحيحة صورة تعكس مقدرة الطلبة على استيعاب المفاهيم والمعاني للكلمات، مؤكدة أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم، لغة عريقة ولغة صوتية، تكتب كما تلفظ كي تضمن بالتالي عدم وقوعه في الأخطاء الإملائية. وترى الصنات أن الأستاذ في التعليم الجامعي يكون إما مُيسِّر أو مُعوِّق للإبداع، فالأستاذ الميسر يحث طلابه على مناقشة الشرح وطرح الأسئلة بكل حرية ويعتبرهم مساوين له، كما يساعدهم على البحث عن المشكلات في خارج المحاضرة والمساعدة في بحث الحلول والاستنتاج، أما الأستاذ المعوق فيعتبر الطالب نداً له في حال مناقشة شرحه ويرى نفسه أعلى منه من ناحية ثقافته وتفكيره ويجعل الطالب ملزماً بما تم شرحه في المحاضرة، منوهة بأن أسئلة الامتحان تسهم أيضا في إبداع الطالب إما في عدم تقييده في الإجابة وترك مجال التفكير له، وإما في تقييده بإجابة محددة ما يجبر الطالب على حفظ الموضوع لا فهمه، ما يفقده إبداعاته ويضعف كتابته.
من جانبها أشارت هيفاء مشهور محاضرة جامعية إلى أن الخلل يكمن في طريقة الأسئلة المتبعة لدى غالبية الجامعات التي تعتمد على نظام الاختيار من متعدد أو وضع إشارة صح أو خطأ وتهاون الأساتذة في تصحيح أوراق اختبارات الطلبة، وإعطاء قلمه حرية الانطلاق بإشارة ''صح'' دون التثبت من صحة المكتوب إملائيا وإن كانت المعلومة الواردة من الطالب صحيحة، إضافة إلى قلة الأسئلة المقالية التي تعتمد على تعبير الطالب وتحفيزه للإبداع والتفكير، مبينة أن بعض الجامعات خصصت جزءا من درجة الاختبار النهائي على سلامة الإملاء وحسن الخط، لكنه برأيها لا يعتبر الحل الناجع كون هذا الطالب يتخرج وهو ضعيف وسينقل ضعفه لغيره من الطلبة خاصة إذا كان سيعمل في حقل التعليم.
ولفتت مشهور إلى أن للضعف الإملائي نتائج عديدة من أهمها: ضعف الثقة بالنفس، والانكماش عن الكتابة، وحرمان الذات من قوة المشاركة والتفاعل مع الآخرين، بشكل مباشر، أو غير مباشر.
وترى أن النشاطات الطلابية أو الأعمال التطوعية بالمجتمع تساعد على الإبداع، فيسمح لهم المجال في العمل، ما تعلمهم ويتعلمون المزيد من خلال اختلاطهم بشكل أوسع مع مجتمعهم، فضلا عن ضرورة تحرك الجامعات لربط التخرج بإتقان الكتابة جيدا عبر اختبار تحريري يقيِّم الطالب أو عبر برامج علاجية لمن يلاحظ ضعفهم في الكتابة ضعفا شديدا، خاصة الطلبة الذين لا يستطيعون كتابة جملة واحدة خالية من الأخطاء الإملائية وليست النحوية.

