Author

بطالة مجلس الشورى

|
يحكى أن الشاعر بصري الوضيحي الشمري كان من عشاق الجمال طوال حياته، وفي أواخر عمره طلب أبناؤه أن يأخذوه للحج. أثناء الطوف أراد أن يستلم الحجر الأسود فحال بينه وبين الحجر وجه فتاة جميلة، فقبَّل الرجل خد الفتاة التي صاحت به أن ''حج يا شايب''. خجل الوضيحي من الموقف، وقال لها ''يا بعد حيي أزلقت الحبة أبيها بالحجر وصارت فيك'' حاول ابنه أن يبرر الموقف فقال: هذا شايب تايه امهذري. فرد عليه البصري : التايه اللي حججني وهو يعرف أن غبار السنين ما محا خضـار قلبي. قال بعدها الشاعر بصري قصيدة مشهورة بدأها بقوله: التايه اللي جاب بصري يقنه جدد جروح العود والعود قاضي يصف بها جمال تلك الفتاة وافتتانه بها. لما عاد بصري إلى أهله سألوه كيف كانت حجتك فقال قصيدته الأشهر التي سرت مثلاً إذ قال: ياليتنا من حجنا سالمينا كان الذنوب اللي علينا خفيفات رحنا نبي نخفف ذنوب علينا وجينا وعلينا كثرهن عشر مرات استرجعت هذه الحادثة والمثل وأنا أقرأ ما حدث أمس من نقاش حاد في مجلس الشورى حول قضية البطالة. فبعد أن استبشر الجميع خيراً عندما غضب أعضاء المجلس وقرروا إحالة ملف التوظيف إلى لجنة ''خاصة'' بعدما اطلعوا على تقرير لجنة الإدارة والموارد البشرية الذي رأى عدم ملاءمة ملف البطالة للنقاش، وادعى أن البطالة مفتعلة ولم تصل إلى المستويات التي تستحق كل هذا العناء، وأن الشاب السعودي ليس مستعداً للعمل في وظيفة وتحمل مسؤولياتها. جاءت اللجنة الخاصة بقبلة الحاج على خد الفتاة بدل الحجر الأسود عندما رأت أن المملكة خالية من البطالة. كان الأمل معقوداً على أن تخفف اللجنة ''الخاصة'' من توتر العلاقة بين المجلس والمواطنين من خلال تقديم توصيات أساسية ومنطقية ومنهجية تتعامل مع مشكلة البطالة ''الحقيقية'' التي لا تخفى على أحد. قبل النقاش بيوم واحد فقط كان منتدى الرياض الاقتصادي يناقش دراسة عن السعودة والبطالة وكان وزير العمل هو مدير النقاش في ذلك اليوم. لم يختلف اثنان على أن البطالة موجودة، بل إن الكثيرين عمدوا إلى تحدي التقارير الصادرة عن ''حافز''، وتقارير أخرى تتحدث عن أن الباحثين عن العمل في السوق السعودية يتجاوز عددهم مليونا ونصف المليون من العاطلين أي 12 في المائة. دار النقاش حول وسائل جذب المواطن لوظائف القطاع الخاص، وبيئة العمل، وأسباب عدم الاستقرار في السوق. اللافت أن نسبة العاطلين عن العمل الحاصلين على الشهادات الجامعية تجاوزت 38 في المائة. الجديد أن التخصصات التي كانت مضمونة التوظيف أصبحت عكس ذلك. مهندسون يتمنون أن يجدوا وظائف تلائم تخصصاتهم وقدراتهم، لكنهم لا يجدونها. تحدثت الدراسة عن ظاهرة أخطر، أطباء ومتخصصون في المجال الصحي المكتظ بالأجانب ضمن أعداد العاطلين عن العمل. الوظائف غير الجاذبة هي الوظائف التي تطالب بمجهود بدني وفكري وانقطاع اجتماعي، وهو حال الكثير من الوظائف التي لا يطبق عليها قانون العمل الدولي أو تلتفت إليها الجهات الرسمية وتراقبها لضمان إنسانيتها. هناك موظفون يعملون لمدة 12 ساعة يومياً في مصانع ومؤسسات القطاع الخاص أو ما مجموعه 50 ساعة في الأسبوع دون أن يحصلوا على أي مقابل. هذا عدا عن إهمال الصحة المهنية والتدريب والترقيات وغيرها من متطلبات أي راغب في التوظيف. هل يرى السادة أعضاء المجلس أن هذه الوظائف تستحق أن يلحقوا أحد أبنائهم أو بناتهم بها؟ عندما نتحدث عن وظائف محترمة تراعي إنسانية ومواطنة الموظف، فلن تجد من يحجم عن التقدم لها أو القبول بشروطها والتزاماتها مهما كانت. نعود إلى التأكيد على التنافس الذي نلاحظه على وظائف الشركات الكبرى كـ ''أرامكو'' و''سابك'' والبنوك، فكفانا ذراً للرماد في عيون طالبي التوظيف. لفت انتباهي مداخلتان في المنتدى إحداهما لشابة متخرجة من الولايات المتحدة في تخصص دقيق وبمعدل يتجاوز 3.8 من 4، بقيت تنتظر على قوائم حافز لمدة سنة كاملة. كان كلامها مؤلماً لكل من يهمه أمر الوطن، إذ أكدت في النهاية أنها حصلت على وظيفة بطريقتها الخاصة، ولو انتظرت دعوة حافز لها لما حصلت على أي وظيفة. اعتذر وزير العمل عن تلك الحالة، لكنها ليست شاذة. المداخلة الثانية كانت من قبل أحد أعضاء مجلس الشورى الموقر الذي طالب بأن يتم تعديل ساعات العمل في وظائف الحكومة لتكون مماثلة لساعات العمل في القطاع الخاص. لم يسترسل العضو في النقاش ولم يرد مدير الجلسة أن يدخل في هذه الدوامة. لكن اقتراح العضو الموقر يمكن أن يطبق مبدئياً على أعضاء مجلس الشورى ليكون دوامهم يومياً لمدة ثمان إلى عشر ساعات ولستة أيام في الأسبوع لنتعرف على إمكانية تطبيقه على بقية وظائف الدولة.
إنشرها