Author

نحتاج إلى أكثر من «دحلان» لمكافحة الفساد

|
استمتعت كثيرا بحضوري افتتاح منتدى الرياض الاقتصادي والجلسة الأولى عن ''الفساد الإداري والمالي: الواقع والآثار وسبل الحد منه''. وعلى الرغم من أنني لا أعرف كيف تم اختيار عينة الدراسة المكونة من 1300 مفردة ما بين رجل وامرأة في الشرقية ومكة والرياض وعسير وتبوك، ولكنها بكل المقاييس دراسة قيمة وجريئة ومفيدة، والحاجة إليها وأمثالها ماسة. إنها كشفت الستار عن كارثة وطنية تتمثل في انتشار الفساد بدرجة فادحة! هناك نحو 2 في المائة فقط من رأوا أن ''الفساد غير موجود''، ويقابل ذلك 68 في المائة يعتقدون أن الفساد منتشر بكثرة، في حين أن هناك 30 في المائة تقريباً أشاروا إلى وجود الفساد بشكل محدود. ومع هذه الإحصاءات المثيرة، لا بد أن أقول إن الفساد أصبح قضية ''وطنية'' ينبغي أن تحظى باهتمام خاص، حفاظاً على هذا الوطن الغالي، وحماية لمقدراته! ويؤيد ذلك مؤشر مدركات الفساد لعام 2013 الصادر عن الشفافية الدولية الذي يعكس أنماط الفساد مثل إساءة استخدام السلطة، والتعاملات السرية، والرشوة، ويأخذ قيمة صفر للدلالة على وجود تصور بدرجة عالية من الفساد، في حين تدل القيمة 100 على وجود تصور أن الدولة نظيفة للغاية. وبالمناسبة جاء ترتيب المملكة 63 من بين 177 دولة اشتمل عليها المؤشر، واحتلت الدنمارك المرتبة الأولى من حيث النزاهة. أما ذيل القائمة فكان من نصيب كثير من الدول العربية كالسودان والصومال العراق ولبنان وغيرها. عوداً على دراسة منتدى الرياض الاقتصادي، أشارت الدراسة إلى أن 70 في المائة من الفساد يوجد في عقود الحكومة. وبقدر ما كانت الدراسة مثيرة وجاذبة لاهتمام الحضور، إلا أن مداخلة الدكتور عبد الله دحلان لا تقل عنها إثارة، فقد استقطبت وابلا من التصفيق لصراحته وصدقه مع نفسه حين أشار إلى أن رجال الأعمال مسؤولون عن الفساد المالي ولكنهم مجبورون على ممارسته، وأن الفساد أنواع: فساد مالي وإداري وتخطيطي وتربوي، مشيراً إلى أن المبادرات التي تفضي إلى تبني مشروعات حكومية فاشلة تكلف الملايين أو حتى المليارات تدخل ضمن الفساد في التخطيط، الأمر الذي يتطلب المحاسبة. لا شك أن الرجال والنساء المخلصين أمثال الدكتور عبد الله دحلان ــــ بحمد الله ــــ كثيرون في هذا الوطن، ولكن كثيرا منهم تنقصه الشجاعة التي يمتلكها دحلان ليصدعوا بالحقيقة ويصرحوا بوجود الفساد ويعلنوا انتشاره دون مواربة أو مجاملة أو مراعاة لمصالحهم أو مصالح غيرهم. إن مكافحة الفساد والحد منه يتطلب أكثر من ''دحلان''، ويحتاج إلى تعزيز مبدأ الشفافية في التوظيف وعقود المشروعات الحكومية، ويستلزم عدالة في تطبيق الأنظمة والمحاسبة دون مراعاة لمكانة أو حسب أو نسب. على الرغم من قتامة الصورة وكارثية المشهد، فإنني أشعر بتفاؤل، خاصة أن تشخيص المشكلة والاعتراف بوجودها يُعد بداية الحل. وأخيراً أطرح التساؤل: هل سنصفق لهيئة مكافحة الفساد ''نزاهة'' بعد عام من الآن مثلما صفقنا لدحلان في منتدى الرياض الاقتصادي؟!
إنشرها