Author

التعصب القومي يضر باقتصاد أوروبا

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«مع انكماش التوقعات والآمال، كل إنسان يشعر بأنه ضحية، ويقوم بالتضييق على الأجانب للدفاع عن مربعه» أوسكار هاندلين - مؤرخ أمريكي العثور على مسؤول غربي، وتحديداً أوروبي، يتحدث صراحة عن أهمية المهاجرين الأجانب بالنسبة لبلاده واقتصادها، أمر أقرب إلى المعجزة. ورغم معرفتهم بهذه الأهمية حقاً، إلا أنهم لا يجرؤون عادة على الإفصاح عنها، والسبب هو نفسه دائماً.. الانتخابات. وفي هذه الأخيرة، تكون دائماً المشاعر الوطنية أقوى من أي مشاعر أخرى، بما في ذلك الإنسانية منها. وفي الوقت الراهن، يعاني السياسيون الغربيون هشاشة انتخابية تاريخية. فإما أن يسيطروا على السلطة بحكومات ائتلافية متناقضة الطرفين غالباً، وإما أنهم يدخلون في دوامة الانتخابات المبكرة، التي ما إن تنتهي واحدة، حتى يجري الحديث عن أخرى! وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية، صار وجود حكومة قوية مُشكَّلة من حزب واحد، أو بأغلبية مريحة، حلماً سياسياً، فقد قوضت الأزمة كثيراً من التراكمات والقدرات السياسية للأحزاب الأوروبية بشكل عام. وأصبحت ''المزايدة'' المحلية العنصر الأقوى في البرامج الانتخابية. وتتصدر الأحزاب المحافظة اليمينية مشهد ''الصمت'' عن فاعلية وأهمية المهاجرين في الحراك الاقتصادي العام. وسوء النية تجاه المهاجرين، هي جزء أصيل من تعاطيها معهم، طبعاً ضمن القانون. لكن الصمت انسحب ''بصورة أقل بالطبع'' حتى على الأحزاب الاشتراكية اليسارية التي اعتادت التعاطي مع هذه المسألة بانفتاح واسع. فاستحقاقات الشعبية والانتخابات تسود، وإن تعارضت مع المبادئ والقيم التي قامت عليها هذه الأحزاب. ومن هنا كان إعلان وزير الأعمال البريطاني فينس كيبل، عن أهمية الهجرة بالنسبة لبلاده، مهماً ويمكن اعتباره نقطة تحول حقيقية. قال: ''علينا أن نكون حريصين، لأن الدليل أن هجرة العمال والطلبة من خارج الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا، أمر مفيد للغاية للاقتصاد البريطاني''. ومضى أبعد من ذلك، عندما أشار إلى ''التأثير الخطير لقيود الهجرة على أداء الاقتصاد''. لكن مهلاً.. العجب من هذا الكلام يتقلص، لماذا؟ لأن كيبل، وإن كان وزيراً في حكومة يقودها المحافظون، إلا أنه ينتمي إلى الحزب الثاني الذي يشكل مع المحافظين الحكومة وهو حزب الديمقراطيين الأحرار. إنه حزب يختلف تماماً في رؤيته حول المهاجرين مع الحزب الآخر. ما يعزز الاختلافات داخل الحكومة الواحدة. تحتاج أوروبا إلى المهاجرين، هذا أمر لا يجادل فيه إلا أولئك الذين لا يزالون أسرى المشاعر القومية المتهاوية. وفي هذه القارة ما يقرب من 20 مليون أجنبي، غالبيتهم يتمركزون في ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا. والدول الثلاث هذه هي ببساطة أقوى البلدان الأوروبية اقتصادياً، ومن الطبيعي أن تكون الكثافة الأجنبية فيها أعلى من غيرها، خصوصاً تلك التي تعاني من أزمات اقتصادية لا تنتهي. وفي عام 2008 رفض رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون الدعوات إلى وضع قيود على المهاجرين سنوياً إلى بلاده، وربما كان هذا أحد أسباب -وليس السبب الوحيد- عدم فوزه في الانتخابات التي أنتجت الحكومة الائتلافية الحالية. وفي نهاية العقد الماضي، بلغت مساهمة المهاجرين في الاقتصاد البريطاني قرابة ستة مليارات جنيه استرليني. وهي نسبة كبيرة. وكان المستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر في مطلع العقد الماضي أكثر جرأة عندما أعلن صراحة، ضرورة فتح الأبواب أمام الهجرة. فحتى اليوم، ليس لدى ألمانيا سياسة واضحة بشأن المهاجرين، وإن كانت موجودة فيما يرتبط باللاجئين. والمصيبة، أن اثنين من كل ثلاثة ألمان يعبرون عن رأيهم بضرورة تقليص عدد الأجانب، إنها المشاعر القومية المترهلة. وحسب الوكالة الاتحادية للعمل في ألمانيا، فقد أكدت مطلع العقد الراهن، أن البلاد بحاجة إلى مئات الآلاف من المهاجرين سنوياً، وأنها بحلول عام 2025 تحتاج إلى أكثر من 6,7 مليون مهاجر في سن العمل. وأن الوضع في ألمانيا يتطلب بصورة ملحة ما يقرب من 200 ألف مهاجر سنوياً على الأقل، لمواجهة استحقاقات العمل فيها. فأوروبا هرمت، ومحاولات رفع سن التقاعد فيها لا تزال في بدايتها. وحتى لو نجحت في ذلك، فإن الضمانات ليست متوافرة، فضلاً عن وجود اعتبارات اجتماعية، ستفرغ بصورة أو بأخرى الكثير من مخططات رفع سن التقاعد. تتناقص في أوروبا الأيدي العاملة والشباب، كما ينقصها جيل متعلم متدرب جديد، ليس متوافراً بما يسد التنمية في الوقت الراهن والحراك الاقتصادي العام. ولهذا السبب، تسعى الكثير من المؤسسات الأوروبية إلى تقديم إغراءات متنوعة للطلاب الأجانب فيها للبقاء والعمل. وهي بذلك، تضرب بصورة مباشرة معاول التنمية في البلدان الأصلية لهؤلاء الطلاب. لا يمكن للقارة الأوروبية العجوز أن تحل مشاكلها الخاصة بالعمالة، إلا إذا كرست الثقافة الوطنية المنفتحة تماماً في كل بلدانها. وهذا أمر لن يكون سهلاً بأي حال. فبعد سنوات من انضمام دول أوروبية شرقية إلى الاتحاد الأوروبي، لم تسد النقص في العمالة في الدول الأوروبية الكبرى. وحتى بعد أن تمنح التسهيلات الجديدة للمهاجرين من خارج الاتحاد، عليها واجب أخلاقي، يتمثل في تعويض البلدان التي يأتي منها المهاجرون، بما يكفل الحد المطلوب لتنمية تحتاج إليها.. وتحتاج إليها جداً.
إنشرها