Author

القطاع العام المتطور ليس منافساً للقطاع الخاص

|
لا يمكن اعتبار دور القطاع الخاص في التنمية والنمو والتشغيل منافساً لدور الحكومات، إلا إذا اعتبرته هذه الأخيرة كذلك، ودخلت معه بالفعل كطرف للفوز عليه، لا كجهة توفر الإمكانات والتسهيلات اللازمة للوصول إلى حاصل اقتصادي جيد شامل. ومركزية الاقتصاد في الدولة (أي دولة)، مثل مركزية الإدارة فيها، تحملها مسؤوليات وتبعات لا حاجة لها فيها، كما أن هذه المركزية، تسهم بكل الصور في ناتج اقتصادي ريعي، بصرف النظر عن أي توصيفات ''تجميلية''، عادة لا تكون لها قيمة سوى على الصعيد الصوتي لا العملي. والحقيقة أن دولا عديدة واجهت مصاعب جمة في الوصول إلى فهم حقيقي لدور القطاع الخاص، بما فيها دول كبرى، غير أنها تغلبت عليها، عندما وجدت أن المتغيرات تفرض أدبياتها الاقتصادية، سواء رضيت بها الحكومات أم لم ترض. لقد قاومت الحكومات البريطانية ــــ على سبيل المثال ــــ عقوداً الدعوات لمنح بنك إنجلترا المركزي الاستقلالية عنها، لكنها لم تستطع أن تقاوم إلى ما لا نهاية، وأصبح قرار البنك مستقلاً. كان المؤتمر الدولي (الأول من نوعه في المنطقة) الذي عقد أخيراً في الرياض، مناسبة تاريخية بالفعل لتناول القطاعين العام والخاص وعلاقتهما بالتنمية، وارتباطات كل طرف بالناتج المحلي. وعلى الرغم من أن القطاع الخاص في منطقة الخليج بدأ يأخذ دوره المطلوب، عن طريق مسيرة العلاقة مع القطاع العام نحو النضج، إلا أن هناك كثيرا من الخطوات المطلوبة، لتمكين الثقافة الاقتصادية المتنامية في المنطقة كلها. وهي تظل متنامية إلى أن تتشكل بصورة أكثر رسوخاً، وذلك باتباع الأدوات الاقتصادية الكفيلة بنقل اقتصادات دول الخليج من مرحلة التكوين ورواسب ومتعلقات الحراك الريعي، إلى الوضعية المستحقة لها. والأهم في هذا كله أن يزول المفهوم العام حول ''التنافس'' بين القطاعين العام والخاص؛ لتصبح الحكومات التي تنافس اقتصادياً (وتنجح حقاً)، شركات! ليس غائباً عن أحد أن استحواذ الحكومات على الحراك الاقتصادي، وَلَّدَ سلسلة من الأزمات الحقيقية في كثير من البلدان التي قدست ''حكومية'' الاقتصاد لا حريته. ومن هنا، فإن دور الحكومات ينبغي ألا يكون منافساً بل مساعداً، دون أن تغيب بالطبع القيمة الأهم له، وهي تلك التي تتعلق بالرقابة، بما في ذلك الأخلاقية منها. فقد أثبتت الأزمة الاقتصادية العالمية (بتكاليف تاريخية هائلة لم يسبق لها مثيل)، أن السوق المنفلتة بلا ضوابط، ليست سوى ''مصنع'' لخلق الأزمات بل الكوارث. ومن أكثر التكاليف التي دُفعت، هي تلك التي أجبرت الحكومات على إعادة تأميم مؤسسات وشركات كبرى بأموال الشعوب المتضررة نفسها! الانفلات في أي شيء لا يُنتج إلا الأضرار، وهنا محورية الحكومات في الحراك الاقتصادي. وهي في هذا الدور لا يمكن أن تكون طرفاً بل مشرفاً، والفارق كبير بين الحالتين. المهم في هذه المرحلة أن يتم التوصل إلى الصيغة النهائية لفهم العلاقة بين الطرفين. وبدون هذا الفهم سيضطرب دور كلا الطرفين في التنمية نفسها، ويصبحان ضمن السوق مثل ''ملاكمين'' يَضْرِبان ويُضْرَبان إلى أن يفوز أحدهما بالضربة القاضية. إن القطاع الخاص في منطقة الخليج لا يزال يعيش حالة ''منفذ للتشريعات''، لا مبادر يطرح المشاريع ويشارك مباشرة في سن القوانين. وإن حدث وطرح بالفعل مشاريع، فهو يقوم بذلك وفق تشريعات مسبقة عادة ما تحتاج إلى التعديل والمرونة. وهنا يأتي دور المؤسسات غير الحكومية وشبه الحكومية في الخليج، من أجل وضع الإطار الأمثل للعلاقة بين قطاعين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتقدم التنمية دون فرز واضح لأدوارهما فيها. وعلى الرغم من طبيعة العلاقة التي لا تزال ملتبسة بين الطرفين، فقد أثبت القطاع الخاص القدرة على المشاركة الفعالة في النمو، وفي بعض الأحيان، فاقت معدلاته معدلات القطاع العام بأشواط طويلة. وهذا وحده يكفي لدفع الجهود نحو علاقة واضحة لطرفين محوريين.
إنشرها