Author

سؤال إلى وزير الإسكان

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
مضى حتى تاريخ اليوم أكثر من سنتين ونصف السنة على تأسيس وزارة الإسكان، ونحو سبعة أشهر ونصف الشهر على صدور الأمر الملكي الكريم بالموافقة على برنامج الوزارة ''أرض وقرض''. انتظر المجتمع السعودي بين تاريخ تأسيس الوزارة حتى صدور برنامج ''أرض وقرض'' تحقق أي منجزٍ ملموس، لم يُسفر هذا الانتظار عما كان مأمولا حتى بنسبة 1 في المائة. عاد الانتظار بصورةٍ مضاعفة بعد صدور برنامج ''أرض وقرض'' ولا يزال. آخر محطّات الانتظار أسفرتْ عن صدور آلية الاستفادة من برامج وزارة الإسكان، تقوم على ستة معايير، وفقاً للنقاط المجمّعة من خلال المحددات التالية: (1) مستوى الدخل. (2) عدد أفراد الأسرة. (3) سن المتقدم. (4) المطلقات والأرامل. (5) ذوي الاحتياجات الخاصة. (6) وقت الانتظار. وتم تأجيل الموافقة عليها من مجلس الوزراء إلى وقتٍ آخر، وكما يبدو أنّه لإعادة النظر في تلك المعايير، ودراستها بصورةٍ أوفى. وبالأمس أعلن وزير الإسكان أمام ''ملتقى الإنشاءات والمشاريع'' في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، عن إطلاق نظام شبكة إيجار مطلع العام الميلادي المقبل، وأن الوزارة تعد في الوقت وتطرح 80 موقعاً لتطوير أراضي الإسكان بمساحة إجمالية تبلغ 106,534,059 متراً مربعاً، تتوزّع على جميع مناطق المملكة. هل ما ذُكر أعلاه ''بتفاصيله الدقيقة التي لم يتسع المجال لذكرها هنا'' طوال أكثر من سنتين ونصف السنة، أسهم في حلِّ لو 1 في المائة من أزمة الإسكان؟ الإجابة تأتيك صريحةً من واقعنا المعاش ''لا''. فعدد الباحثين عن السكن زاد ولم ينقص، وأسعار الأراضي والمنازل زادتْ ولم تنقص، وأسعار الإيجارات زادتْ ولم تنقص، علماً بأنّه ليس هذا هو سؤالي لوزير الإسكان. سؤالي إلى وزير الإسكان هو حول ما صرّح به وقت إعلان برنامج ''أرض وقرض'' بقوله: إنّ الدولة ستقوم بفرْض الرسوم على الأراضي البيضاء، وفرض رسومٍ إضافية أخرى على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، لتصبح الرسوم المفروضة عليها أكبر! وإن وزارة الإسكان في طريقها لاتخاذ الإجراءات الكافية لمنع تمرير تكلفة تلك الرسوم إلى المشتري التالي، وإنّ الدولة ستقوم بنزع ملكية الأراضي من ملاكها إذا تأخروا في إعمارها، مع تأكيده ألا نيّة للدولة لشراء أي أراضٍ من المعروض الراهن في السوق. ماذا جرى حول هذا الإعلان؟ فمن هنا يبدأ الحل الحقيقي لأزمة الإسكان، وهي أيضاً نقطة انفجار الأزمة التي تشكّلتْ من خلال احتكار الأراضي بكافّة تصنيفاتها ''خام، بيضاء، مطورة... إلخ''. المجتمع يتساءل بحيرة؛ لماذا اختفتْ تماماً هذه الركيزة الرئيسة لحل أزمة الإسكان في المملكة من أيّ نقاشات ومداولات دارتْ رحاها بين مختلف الأجهزة الحكومية المعنية بهذه الأزمة؟ غابتْ تماماً بدءاً من تصريحات وزارة الإسكان، وانتهاءً بمناقشات مجلس الشورى! ما هو مأمول من وزير الإسكان أن يوضّح للمجتمع السعودي آخر ما تمّ حول هذا الأمر: هل ستقوم الدولة فعلاً، بفرض رسوم على الأراضي البيضاء، وبفرض رسومٍ إضافية أخرى على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، أمْ لا؟ إذا كانتْ الإجابة ''بنعم''، فمتى سيتم فرْض تلك الرسوم؟ وإذا كانتْ الإجابة ''بلا''، فلماذا لا يتم إعلانه أمام الجميع؟ تعتبر الإجابة عن هذا السؤال الأهمُّ والأكثر إلحاحاً بالنسبة للمجتمع. كل ما نريده تأكيد أو نفي هذا الأمر، وأنْ يحدد توقيت التنفيذ إن كان بالتأكيد، أو الأسباب المانعة إن كان بالنفي. لكي ندرك جميعاً دون استثناء أهمية الإجابة على هذا السؤال المحوري، علينا أن ندرك ضخامة حجم أزمة الإسكان في السعودية! إنّها بموجب الأرقام التي صدرتْ أخيرا عن وزارة الإسكان، تؤكّد أنّها أثقل مليار مرةٍ من جميع ما صدر عن تلك الوزارة من إعلانات وتصريحات! وأنّ أوّل خطوةٍ جادة وحقيقية لأجل حلّها هو: فرض رسوم على الأراضي البيضاء، وأخرى إضافية على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية! فلماذا يتم تجاهل هذه الخطوة المحورية؟ أظهرتْ البيانات الصادرة عن وزارة الإسكان، أنّ عدد المواطنين المنتظرين للمساكن منها بلغ 3.621 مليون مواطن، وبأخذ آخر معدل إعالة يصبح إجمالي العدد من أرباب الأسر والأفراد المُعالين نحو 18.1 مليون نسمة، أي 89.3 في المائة من إجمالي السكان السعوديين. ما يعني أنّ مساحة الأراضي المطلوبة لأجل تلبية احتياجاتهم من المساكن والخدمات البلدية والطرق، تفوق 2.3 مليار متر مربع! فيما لا يتعدّى ما تعكف وزارة الإسكان على إعداده وتطويره أكثر من 106.53 مليون متر مربع، أي ما لا يتجاوز 4.6 في المائة من الإجمالي المطلوب توفيره الآن لتلبية احتياجات تلك الملايين من المواطنين المنتظرين! دعْ عنك الاحتياجات المستقبلية للسكان في القادم من السنوات. تقدر تكلفة شراء تلك الأراضي، وإنشاء وبناء المساكن عليها، التي تلبي احتياجات الـ 3.621 مليون مواطن، وفقاً لمستويات الأسعار السوقية الراهنة بنحو 3.9 تريليون ريال ''إذا كانت تكلفة شراء متر الأرض بـ 1000 ريال''، ونحو 5.8 تريليون ريال ''1500 ريال للمتر''، ونحو 7.8 تريليون ريال ''2000 ريال للمتر''. هذا على افتراض ثبات أسعار الأراضي وعدم استمرار نموها بوتيرتها المتسارعة الراهنة، وهو ضرْبٌ من الخيال أن يتحقق في ظل واقع التشوهات الراهنة في السوق العقارية، التي لم يوجد حتى الآن ما يوقف اتساعها. هل أدركنا جميعاً حجم الأزمة؟ وبالدرجة الأولى، هل أدركتْ وزارة الإسكان حجمها؟ وأنّ أي تجاهلٍ لصلبها وأساس دائها، سيؤدي إلى مزيدٍ من تفاقمها واستعصائها على الحل؟
إنشرها