Author

تحديات سوق العمل حتى 2023 (2 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالاً للحديث حول تحديات السنوات العشر القادمة في سوق العمل المحلية، ألخّصُ أهم ما انتهى له الجزء السابق، وأبلور بسرعةٍ القنوات التي سلكناها طوال العقد الأخير، أوصلتنا في نهاية المطاف إلى ما نواجهه في الوقت الراهن من تحدياتٍ جسيمة. لماذا أراهُ مهمّاً جداً أنْ نتعرّف على تلك القنوات أو الأسباب بمعنى أدق؟ إنّها كما قال الوزير السابق الدكتور غازي القصيبي ''إنّ معرفة نواحي الضعف هي الخطوة الأولى نحو بناء القوة''، نكتشفها ومن ثم نُعمل يد الإصلاح في كل جزء من مكوناتها، ونستمر على هذا النهج. إنّ حلَّ معضلة السوق مرتبطٌ في الدرجة الأولى بحل تشوهات الاقتصاد الوطني، التي من أبرزها انخفاض درجة تنوّعه الإنتاجي، التي أفضتْ بدورها إلى شح خلق الوظائف المنتجة، في الوقت الذي زاد فيه ارتفاع اعتمادنا على عوائد النفط إلى ترهّل عضلات النشاطات المختلفة للاقتصاد الوطني؛ ما زاد من الاعتماد على استهلاك ما يُستورد من الخارج ''شكّلتْ نسبة الواردات إلى إجمالي الناتج المحلي غير النفطي للعامين 2002 و2012، 27.8 في المائة و43.9 في المائة على التوالي''، لهذا تضخّم نشاط تجارة الجملة والتجزئة بـ 1.3 مليون عامل وافد، شكّلوا الخُمس من إجمالي العمالة الوافدة، بمتوسط أجر شهري لا يتجاوز 1055 ريالاً، تسعة أعشارهم لا يحمل أكثر من الشهادة الابتدائية! وعلى الرغم من زيادة عوائد النفط، وأثرها الإيجابي نظرياً في الميزانية العامّة، إلا إنّها اقتصادياً لم ترتقِ إلى أكثر من عُشر المأمول على الاقتصاد الوطني كما بيّنه مؤشرا كفاءة الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري على حدٍّ سواء! لماذا حدث هذا؟ حدث ذلك باختصارٍ شديد لحدوث أمرين جوهريين. الأمر الأول: أنّ الإنفاق المحلي على مشروعات البنى التحتية رغم الزيادة القياسية والمتصاعدة خلال العقد الأخير، تجاوزتْ قيمته خلال عقدٍ مضى أكثر من 1.8 تريليون ريال! إلا إنّه انتهى إلى ثلاث نتائج موجعة: النتيجة الأولى: رغم زيادة الإنفاق الرأسمالي ''يعادل اليوم 12 ضعف مستواه قبل عشرة أعوام''، إلا إنّ تعثّر وتأخّر تنفيذ المشروعات ''نحو 25.46 ألف مشروعٍ حكومي'' غلَب الإنجاز بنحو 63.8 في المائة، مقابل درجة إنجازٍ لم تتجاوز 36.2 في المائة! النتيجة الثانية: زيادة استقطاب أغلب موارد القطاع الخاص نحو قطاع المقاولات والتشييد والبناء، وأمام ضعف مفاهيم إرساء المنافسة؛ تركّزتْ أغلب تلك المشروعات لدى شركاتٍ لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، فيما تحاشرت تحت آلاف الشركات والمؤسسات المحلية تحت ظل عقود الباطن ''للقلّة من الشركات المحتكرة''، والنتيجة كما تبيّنت أعلاه تعثرين مقابل إنجازٌ واحد. النتيجة الثالثة: أفضى الاستقطاب أعلاه إلى زيادةٍ غير مسبوقة على العمالة الوافدة غير الماهرة وغير المتعلمة، ليتضخّم حجم العمالة الوافدة في نشاط التشييد والبناء مستحوذاً على نصف حجم العمالة الوافدة في القطاع الخاص، بمتوسط أجر شهري لا يتجاوز 859 ريالاً شهرياً، ولا يزال ماضياً في صعوده. أمّا الأمر الثاني: أنّ زيادة الثروة والاحتياطات، تركّز في أغلبه خارج الحدود، ويقدّر بلوغها بنهاية العام الجاري ـــ وفقاً للتقديرات المستندة لميزان المدفوعات ــــ إلى نحو 3.94 تريليون ريال، حجب مع غيابها إمكانية تحويلها إلى أصولٍ محلية منتجة ممثلة في مشروعات وطنية، من شأنها أنْ تساهم في خلق عشرات الآلاف من الوظائف الملائمة والمرتفعة الدخل. زاد من التناقض هنا؛ أنّ تدفقات الاستثمار الأجنبي حلّتْ بديلةً عن الأموال الوطنية الغائبة، ويُقدّر بلوغ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لداخل الاقتصاد بنهاية العام الجاري لنحو 783.4 مليار ريال، إلا أنّها وفقاً لأحدث تقرير صادر لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد السعودي، تركّزت بأكثر من 85 في المائة من الإجمالي لأجل الاستفادة من انخفاض تكلفة مصادر الطاقة في الدرجة الأولى، كما أتى تحت مظلتها مئات الآلاف من العمالة الوافدة متدنية التعليم والتأهيل. أخيراً، أمام إحجام الثروات التي حبانا الله بها عن خوض غمار المنافسة محلياً وعن تأسيس المشروعات، انجذب جزءٌ لا يستهان به من تلك الثروات نحو التعامل بدافع المضاربة! بدأتها في سوق الأسهم المحلية ''2003 ـــ 2006'' حتى تضخّمتْ قيمة 77 شركة مساهمة فقط لأكثر من 3.1 تريليون ريال، غادرتها أثناء شباط (فبراير) 2006 وما بعده إلى جهتين، كانت الأولى: داخلية ممثلةً في السوق العقارية، فيما كانت الثانية: إلى خارج الحدود، ولعلها فعلتْ خيراً بخروجها رغم سلبية ذلك؛ وإلا شهدنا ارتفاعاتٍ أكبر في قيم العقارات والأراضي! هل يتخيّل القارئ الكريم المشهد العام اقتصادياً كيف هو الآن؟ أتمنّى تحقق ذلك لأهميته. الآن، (1) هل صنعنا أزماتنا الاقتصادية بأيدينا، وعلى رأسها أزمة سوق العمل؟ الإجابة (نعم). (2) هل نمتلكُ فعلاً القدرة والموارد على حلّها؟ الإجابة (نعم). من يا تُرى هو المسؤول عن مصير الملايين المقبلة من المواطنين والمواطنات مستقبلاً، والمقدّر تجاوزهم سقف 4.3 مليون طالب وطالبة عمل خلال السنوات العشر المقبلة؟ إنّهما ولا شك وزارة العمل ''القطاع الخاص'' بدرجةٍ أهم، ثم وزارة الخدمة المدنية ''القطاع الحكومي''. بلوغي هذه النقطة، ليس نهاية محاولة الإجابة عن سؤال مستقبل سوق العمل المحلية، بقدر ما أنّه ـــ لأهميته القصوى ـــ سيكون نقطة انطلاقٍ لمقالاتٍ قادمة، بهدف تحديد الاتجاهات المستقبلية الواجب خوضها أولاً، وثانياً كمحاولة واجتهادٍ قد تصيب وقد تخطئ، لأجل الاستعداد الجاد من قبلنا، ووجوب انتهاز الفرص الممتازة والمتاحة بأيدينا في الوقت الراهن، وتوظيفها جيداً في خدمة بلادنا ومجتمعنا، والله ولي التوفيق.
إنشرها