Author

عسكرة التنمية

|
استخدام كلمة عسكرة يعطي البعض الانطباع إلى أن الهدف هو الغلظة أو الشدة في التعامل مع الأمور وهو مفهوم خاطئ لأن استخدام كلمة عسكرة أو مصطلح عسكرة في كل ما أطرقه هو إدخال مفهوم جديد على مفردات العمل المنضبط لأن الإشارة إلى العسكرة الهدف منه هو الإشارة إلى أهمية الانضباط وتحقيق أعلى معدلات الفائدة والنجاح في أي عمل وأنا أعلم جيداً أن هناك من سيستمر في معارضتي في استخدام عسكرة في بعض الطروحات، ولكنني سأعتبره إضافة جديدة لقاموس اللغة المدنية المقتبس من الفكر العسكري مثلما استخدمنا مصطلح استراتيجية وخطة وخطط وتخطيط وهي مصطلحات وكلمات أساسها عسكري، وكانت وما زالت تستخدم في الغالب من الأعمال العسكرية الموجهة للنظرة المستقبلية لأي عمل. إن حاجة التنمية إلى العسكرة تعني حاجتها إلى الانضباط وضبط إيقاعها وتقوية مخرجاتها، وتحقيق أقصى الفائدة المرجوة منها لخدمة المنتفعين منها إنسان ومكان، ونحن في السعودية اليوم في أمسّ الحاجة إلى عسكرة التنمية، وتعزيز الاستفادة من كل ما يتم صرفه على مشروعات البنية التحتية والنقل والطاقة وتحلية المياه والصحة وغيرها من المشروعات، التي يتم صرف مليارات الريالات عليها، واستخدام مصطلح عسكرة يعني أهمية رفع شدة الالتزام والمتابعة، وقبل ذلك وضوح الرؤية وتحديد السياسات والأهداف الوطنية للدولة، وجعلها ضمن أهداف يمكن تنفيذها من خلال مشروعات وبرامج محددة يمكن قياس الأداء والإنجاز والفائدة منها، وهو ما يغيب حاليا عن التنمية في المملكة، ولعل أقرب مصطلح يمكن ذكره في تنميتها أنها تنمية تأخذ الشكل الفوضوي فكل قطاع يعمل وحده، وفي اتجاهات مختلفة ومتعارضة ومتصادمة، وهذا يضعف أو يلغي الفائدة من مخرجات التنمية الشاملة. إن النظرة إلى أسلوب وثقافة وعمل مختلف المؤسسات والأجهزة العاملة في مجال التنمية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو الأكاديمي أو مؤسسات المجتمع المدني حتى الإعلامي نجد كل قطاع أو جهاز يدور في فلك مختلف عن الآخر وداخل كل قطاع أو جهاز أملاك تدور في كل اتجاهات وبشكل فوضوي غير مسبوق يؤدي إلى هدر المال والجهد والوقت ويعزز من الترهل والفساد وغياب الحرص على الإنجاز وتطوير العمل، والشواهد في هذا المجال كثيرة، ولعل نظرة فاحصة لكل ما نقوم به اليوم من أعمال ومشروعات تؤكد ذلك. إن الهدف من العسكرة هو إضافة نكهة الالتزام والانضباط في عمل مختلف قطاعات الدولة، لأن مثل هذا الالتزام والانضباط هو ما يحقق الفائدة الأعلى من خير التنمية ونشرها ووصولها إلى جميع أفراد المجتمع ضمن رؤية تنموية تحدد قدرة كل تجمع على تحقيق أهداف التنمية ومخرجاتها، كما أن العسكرة مع مدنية الإجراءات والمتابعة والرقابة الإيجابية والخروج من ثقافة المكاتبات وتقاذف المسؤوليات يعد تكاملا إداريا ناجحا لتحقيق أقصى تلك الفائدة التنموية لخير الإنسان والمكان، ومع أن مفهوم العسكرة يعتبر لغة جديدة في علم الإدارة المدنية، إلا أنه ضرورة ملحة عندما تعجز الإدارة عن ضبط إيقاع الأداء وترهلها، وانتشار الفساد ضمن إجراءاتها، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص وغيرها من القطاعات المكونة للدولة، كما أن القطاع الخيري والدعوي لم يسلم من ظاهرتي الترهل والفساد والمحسوبية وغياب الرقابة الإيجابية، التي تعين على تطوير الأداء واستمرار التميز. إن تبني فكرة عسكرة الأداء وضبط إيقاع الأداء وتطوير العمل والالتزام بالحضور والإنجاز والمحاسبة الدقيقة على كل عمل سيؤدي إلى تغيير حقيقي في أداء عملنا في مختلف مؤسساتنا الحكومية والخاصة والأكاديمية والإعلامية والخيرية وغيرها من القطاعات، وسينعكس ذلك على سلوك الأفراد مواطنين ومقيمين، ولعلي أن أقدم في القادم من المقالات ـــ إن شاء الله ــــ ما يوضح الفكرة وأسلوب تطبيقها بما يخدم إنسان ومكان السعودية وتوجهها نحو وضع دولي أفضل وأقوى، بارك الله في الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح. وقفة تأمل: «كم من لئيم مشى بالزور ينقله لا يتقي الله لا يخشى من العار يود لو أنه للمرء يهلكه ولم ينله سوى إثم وأوزار فإن سمعت كلاماً فيك جاوزه وخل قائله في غيه ساري فما تبالي السماء يوماً إذا نبحت كل الكلاب وحق الواحد الباري وقد وقعت ببيت نظمه درر قد صاغه حاذق في نظمه داري لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار»
إنشرها