Author

مقترح يلي مقترحا.. ولا أرض ولا سكن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
مضى حتى تاريخ اليوم 957 يوماً على تأسيس وزارة الإسكان، ومنذ ذلك التاريخ تشبعت أسماعنا بالكثير من المقترحات والتوصيات، التي ما إن تمضي عدّة أشهرٍ إلا ويصدر ما ينقضها من نفس مصدرها ''وزارة الإسكان''، وهكذا هو الحال طوال عامين ونصف العام الماضية. تضّمنت المقترحات في البداية، أن الدولة ستتولى العملية بالكامل، ثم تغيّر المسار لاحقاً إلى ضرورة إشراك القطاع الخاص ممثلاً في شركات التطوير العقاري، ثم التفّ مرةً أخرى إلى نقطة الصفر مع قرار ''أرض وقرض''، الذي اقتضى تحويل قرار التصرف في الأراضي المملوكة للحكومة من وزارة الشؤون البلدية والقروية إلى وزارة الإسكان، ومقتضى القرار هذه المرة أنّ منح المواطن الفرصة كاملة سيكون المخرج الأنسب للخروج من دائرة أزمة الإسكان، وأنّ أغلبية المواطنين المستهدفين بهذه الفكرة ''اليوم'' لا يمتلكون الأراضي، نظراً لتجاوز أسعارها السوقية نحو 30 مرة ضعف متوسط دخولهم السنوية، ولا يكفي أيضاً حجم القرض المقدّم لمواجهة تكاليف بناء منزل الأحلام، كما لا يتوافر العدد الكافي من شركات التطوير العقاري ولا العمالة اللازمة لتشييد تلك المساكن المطلوبة، وزاد من تعقيد الأخيرة حملة وزارة العمل بتطهير السوق من العمالة المخالفة، عدا فرضها لرسوم العمالة التي رفعت تكلفة من سيبقى منها داخل البلاد، انتقل إثر إعلانها إلى فاتورة المستهلك النهائي. نمرُّ اليوم بمنعطف ''آلية الاستحقاق للحصول على الوحدات السكنية والأراضي والقروض''، التي كان مفترضاً إنجازها منذ فترة، لكنّها تدور في الوقت الراهن في حلقة ''الصادر والوارد'' بين مجلس الشورى ووزارة الإسكان، كان آخر تطوراتها ما صدر عن مجلس الشورى قبل أمس الإثنين الموافق 28 تشرين الأول (أكتوبر)، حينما طالب وزارة الإسكان بالإسراع في وضع آلية الاستحقاق للحصول على الوحدات السكنية والأراضي والقروض، وأن تكون جاهزة خلال ثلاثة أشهر، وحسب التصريح الصحافي لمساعد رئيس مجلس الشورى: إن مطالبة المجلس جاءت بعد الاستماع لوجهة نظر لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة، بشأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم تجاه التقرير السنوي لوزارة الإسكان للعام المالي 1432/1433هـ. الجديد في ''سلسلة'' المقترحات هذه المرة؛ مطالبة مجلس الشورى وزارة الإسكان بالعمل على إنشاء شركة وطنية من خلال صندوق الاستثمارات العامة، تساهم فيها الصناديق الاستثمارية، لتكون ذراعاً فنية وتخطيطية في تطوير الأراضي وتنفيذ البنية التحتية، وتقديم الحلول الحديثة في التصميم والبناء، ما يعني أننا على موعدٍ جديد لفرع ''مقترح'' جديد منبثق عن أصل ''مقترح'' قديم وأكبر، ستكون محطاته هذه المرة أوسع وأرحب زمنياً وإجرائياً؛ خاصةً أن شركاء وزارة الإسكان هذه المرة من النّوع الثقيل الوزن بيروقراطياً وتنظيمياً، سواء صندوق الاستثمارات العامّة الخاضع لإدارة وزارة المالية، أو الصناديق الاستثمارية الخاضعة لنظام السوق المالية ولخيارات الشركات الاستثمارية العائدة لإدارتها. كما حملت توصيات مجلس الشورى لوزارة الإسكان فرع ''مقترح'' آخر جديد، سيكون هذه المرة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، تقوم فكرة ''المقترح'' الجديد هنا على وضع برنامج زمني لتسليم أراضي المنح، ألحقه مجلس الشورى بمطالبته الوزارتين بضرورة وضع إطار تنظيمي لتخطيط أحياء سكنية مكتملة المرافق مع مراعاة الابتعاد عن التصميم الشبكي للمخططات السكنية، واعتماد مبادئ السلامة والصحة وتعزيز الروابط الأسرية، ووضع معايير لجودة التصميم والبناء، لمعالجة المشاكل الناجمة عن البناء الفردي، وتحقيق مبدأ الاستدامة لترشيد استهلاك المياه والطاقة، واعتماد مبدأ تعدد الكثافات السكانية في الحي السكني ومتطلبات المسكن الميسر لشرائح السكان المختلفة. أخيراً؛ ما دام أننا جميعاً لا نزال في دائرة ''المقترحات'' فلا بأس إذا اقتضى الأمر أن يُلغى ''مقترح'' قديم إذا تعارض مع ''مقترح'' جديد! وهو ما انتهت إليه لجنة الإسكان والمياه والخدمات العامة في مجلس الشورى، التي قررت سحب توصيتها ''القديمة'' القائلة: ''على وزارة الإسكان تحفيز القطاع الخاص لبناء الوحدات السكنية ذات الطابع الاقتصادي مع مراعاة التكاليف الرأسمالية والتشغيلية المنخفضة والصديقة للبيئة''. أعتذر للقارئ الكريم إنْ التفّ رأسه وداخ من ''الخريطة'' الوعرة المسالك أعلاه، وكم هو لافتٌ أن ما جرى من تطوراتٍ ''ورقية'' طوال عامين ونصف العام على مستوى واحدةٍ من أعقد الأزمات المحلية اقتصادياً واجتماعياً، عدا أنّها لم تتخطّ العتبة الأولى من هذا التحدي الجسيم! أنّها أيضاً ـــ وهذا هو المهم ـــ لم تتجرأ طوال تلك الفترة حتى تاريخه على ملامسة جدران ''القلعة الحصينة'' للأسباب الحقيقية وراء صناعة هذه الأزمة المفتعلة! أعني هنا الأسباب القائمة وراء ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات، ووراء شحّ المعروض منها نتيجة احتكار مساحاتٍ هائلة من الأراضي. ألم تدرك الجهات الحكومية أعلاه حتى الآن، أن الفترة الزمنية التي استغرقتها لأجل توليد تلك ''الأكوام'' من المقترحات والأفكار والنقاشات، عدا أنّها لم تسمن ولم تغنِ من جوع بالنسبة للمواطنين الباحثين عن سكن، أنّها أيضاً لم تتطرّق من قريبٍ أو بعيد إلى أهم الأسباب وراء تشكّل هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي بدا لنا جميعاً أنّها ''مفتعلة'' قياساً على المساحات الواسعة للبلاد، وضآلة نسبة السكان إلى تلك المساحة التي حبا الله بها هذه البلاد؟! ألم تدرك تلك الجهات الحكومية حتى الآن أنّ المسار الصاعد لمستويات الأسعار استمر في طريقه ارتفاعاً، غير عابئ بأرتال تلك المقترحات والقرارات والإجراءات، لماذا؟! لأن ''صلب'' الأزمة لم يلمسه أذى منها! التساؤل المحيّر: أين ما صرّح به وزير الإسكان حينما أعلن عن برنامج ''أرض وقرض'' بقوله: إنّ الدولة ستقوم بفرْض الرسوم على الأراضي البيضاء، وفرض رسومٍ إضافية أخرى على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، لتصبح الرسوم المفروضة عليها أكبر، وإن وزارة الإسكان في طريقها لاتخاذ الإجراءات الكافية لمنع تمرير تكلفة تلك الرسوم إلى المشتري التالي، وإنّ الدولة ستقوم بنزع ملكية الأراضي من ملاكها إذا تأخروا في إعمارها. مع تأكيده ألا نيّة للدولة لشراء أي أراضٍ من المعروض الراهن في السوق. في هذا التصريح وليس المقترح بالذات، تكمنُ الخطوة الأولى والأهم لمعالجة أزمة الإسكان في السعودية! لماذا لم نرها هي بالتحديد ضمن أيّ من النقاشات والمداولات الدائرة رحاها بين مختلف الأجهزة الحكومية المعنية بهذه الأزمة؟! علينا الحذر ثم الحذر من نتائج وآثار تجاهل هذه الركيزة الأساسية للحل! فلن يؤدي تجاهلها، والانشغال البيروقراطي الراهن إلا إلى تفاقم الأزمة واستعصائها على الحل.
إنشرها