Author

زيادة معاشات التقاعد .. المجلس مُحقٌّ والناس مُحقّون

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا
تناقلت وسائل الإعلام رفض مجلس الشورى توصية بزيادة معاشات المتقاعدين، والمعني في هذه المقالة متقاعدو الحكومة، وتدقيقا، زيادة معاشات فئة من المتقاعدين، ومعاشات من بعدهم من ورثتهم. نقل الرفض جر انتقادات الناس للمجلس وجهات حكومية أخرى وتحديدا وزارة المالية والمؤسسة العامة للتقاعد. بل بعض الناس تجاوز الحدود في النقد، رغم أنهم يجهلون ماهية وحقيقة ما انتقدوا. المجلس رد على المنتقدين بأن توصيته أسيء فهمها. المجلس محق والناس محقون. كيف؟ الناس من حقهم أن يطلبوا أن يعيشوا بكرامة، وأن تؤمن لهم أساسيات الحياة. كيف تؤمن هذه الأساسيات على رواتب، بعضها يقل كثيرا عن الحد الأدنى من رواتب العاملين في الحكومة؟ في الوقت نفسه، المجلس محق في رفضه، لأن التوصية المرفوضة موجهة إلى مؤسسة التقاعد، وهذه المؤسسة لا تملك المال الكافي، حسب المعايير الدولية المفترضة، لتحقيق تطلعات الناس التقاعدية. يعجب كثيرون من القول إن مؤسسة التقاعد لا تملك المال الكافي. بدلا من تضييع الوقت في مناقشات نظرية، يمكن لغير المقتنعين بما قلت البحث في الإنترنت للتأكد من حقيقة أن صناديق التقاعد على المستوى العالمي، ولسنا استثناء، تعاني، أو هي في طريقها إلى أن تعاني عجزا تمويليا كبيرا، مما يضع علامة استفهام قوية حول قدرتها على الوفاء بالتزاماتها التقاعدية المستقبلية. وهناك دراسات توقعت أن تعاني دول الخليج مشكلة عجز مستقبلا، إذا لم تبادر بإصلاح أنظمتها التقاعدية مثل الدراسة التالية: ''معالجة العجز الإكتواري في أنظمة صناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية في بلدان مجلس التعاون الخليجي''، أيلول (سبتمبر) 2006. ويتوافر هذا التقرير أيضا باللغة الإنجليزية: Overcoming the Actuarial Deficit in Pension and Social Security System in the GCC. نظام التقاعد، كما هو حال أنظمة التقاعد الرسمية في كل دول العالم، نظام محدد المنافع. وهذا يعني أن المعاش التقاعدي معروف مسبقا، ولا بد من دفعه. أي أن الدفع لا علاقة له بالأحوال والظروف مهما كانت. ولذا تضمن الدولة سد العجز، لو حصل. بخلاف المساهمات غير التقاعدية، عرضة للمخاطرة، ولا تضمنها الدولة. وللفائدة، دفعت مؤسسة التقاعد قرابة 40 مليار ريال في العام الماضي معاشات تقاعدية (المصدر التقرير السنوي للمؤسسة للعام الماضي). من جهة أخرى، لا تأخذ الصناديق التقاعدية في العادة مساهمات تقاعدية أكثر مما تدفعه. وتبعا لطبيعة أنظمة التقاعد الحكومية، وأساسيات التخطيط المالي في هذه الأمور، يرى جمهور المتخصصين في التأمين التقاعدي أنه يفترض أن تكون لدى أي صندوق تقاعدي عام، أصول تكفيه للصرف على المعاشات التقاعدية لمدة طويلة، لا تقل عن 20 عاما. ومن المهم الإشارة إلى أن التقاعد عندنا في العادة غير ممول، وهو ما يعمل به غالبا في أنظمة التقاعد الحكومية، ويسمىpay as you go. بمعنى أن الأقساط التي تؤخذ حاليا، يدفع غالبها إلى المتقاعدين الحاليين، ونظرا لأن مؤسسات التقاعد الحكومية غير ربحية، بل تهدف إلى إغناء المتقاعد أثناء كبره، فإن الدفع للمتقاعدين لا يرتبط ارتباطا قويا بما جمعته المؤسسة من المتقاعد، ولا بأداء المؤسسة الربحي. يشير الكثيرون إلى حجم استثمارات مؤسسة التقاعد. تبلغ استثماراتها المالية والعقارية نحو 70 مليار ريال (المصدر السابق نفسه). هذا الرقم ليس بكبير، وللمقارنة تبلغ استثمارات مؤسسة التقاعد اليابانية نحو 5500 مليار ريال. من المهم التأكيد بقوة على حسن نوايا الناس، وأن من حقهم المطالبة بتأمين مستوى معيشي كريم لهم. لكن من المهم في الوقت نفسه، أن يعرف أن القدرات المالية لمؤسسة التقاعد لا تحقق ذلك. ومن ثم لا بد من نقاش عميق للبحث عن حل أو حلول. من الحلول أنه قد يطلب دعم مؤسستي التقاعد بتخصيص ما لا يقل عن 100 مليار ريال من فوائض الميزانية في استثمارات تحقق عوائد تكفي لتمويل زيادات مطلوبة في المعاشات التقاعدية. وفي إطار هذه المناقشات، ينبغي على وزارة الشؤون الاجتماعية تولي تنظيم سبل رعاية المحتاجين كافة. ويدخل في قائمة الرعاية التقاعد وبدلات البطالة، والمعونات للفقراء والمساكين الذين لا تكفيهم مصادر الدخل الأخرى كالتقاعد، إن وجدت، لتأمين حدود دنيا كافية من المعيشة، ويدخل أيضا غير القادرين ماديا على مواجهة الكوارث أو الظروف والنوازل الطبيعية. طبعا هذا لا يعفي من وجوب التنسيق الجيد مع وزارة العمل، وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية. وفي هذا قد يرى جعل صندوق تقاعد موظفي الحكومة، وصندوق تقاعد موظفي القطاع الخاص ''التأمينات الاجتماعية'' تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية. ويتبع ذلك معاملة معاش التقاعد معاملة أوجه الرعاية الاجتماعية والأمان والضمان الاجتماعي بأنواعه وأشكاله. وبالله التوفيق.
إنشرها