Author

بدلا من إطفاء حرائق إفريقيا .. أوباما يسعى لإشعال آسيا

|
تسعى إدارة أوباما منذ توليها السلطة في واشنطن لأن تركز بوصلتها على منطقة آسيا والمحيط الباسيفيكي، مستعدية الصين التي لها مصالح استراتيجية معروفة في هذا الجزء من العالم، ومستغلة العداوات التاريخية بين الصين والهند من جهة، والصين واليابان من جهة أخرى، كي تلعب نيودلهي وطوكيو أدوارا لصالح أجندتها. غير أن واشنطن فوجئت باندلاع حريق هائل في إفريقيا التي للصين فيها نفوذ ويد طولى. وهذا الحريق لا يتجسد فقط في الفوضى الجارية في ليبيا ما بعد سقوط نظام معمر القذافي، ولا في الأزمة السياسية التي تعيشها دولتان مجاورتان لليبيا، ونقصد بهما مصر وتونس، اللتين لعبت إدارة أوباما دورا خبيثا فيهما قبل وبعد ما سُمي بالربيع العربي، وإنما أيضا في النشوة التي تلبست المجاميع الجهادية المتطرفة في دول جنوب الصحراء وشرق إفريقيا، التي كان من ثمارها حادثة استيلاء الجهاديين الصوماليين في تشرين الأول (أكتوبر) على مجمع تجاري مكتظ في وسط العاصمة الكينية، ناهيك عن تحركات الجهاديين والمتشددين في دول جنوب الصحراء، وما تقوم به جماعة ''بوكو حرام'' النيجيرية من أعمال حمقاء. والمعروف أن دول شرق إفريقيا تقاسمتها الدول الاستعمارية ونهبت خيراتها ثم تركتها تئن من الفقر والجوع والمرض، ولعل مما أسهم في سوء أوضاعها الأنظمة الوطنية المدعومة من الغرب التي توالت على حكمها ففشلت في إقامة الدولة المدنية المنيعة، وراحت تحكم بمنطق قبلي ديكتاتوري. وقد وجدت الصين في مثل هذه البيئة الفوضوية المتفسخة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فرصتها لمد نفوذها فيها، أملا في استحلاب خيراتها من المعادن والطاقة الضرورية لبرامجها الصناعية والاقتصادية وخططها، لتبوُّء مركزا مهيبا على الساحة الدولية، لكن ــــ على الأقل ـــ مقابل بناء المدارس والملاعب والسدود والجسور والموانئ وشق الطرق، وغير ذلك من مظاهر البنية التحتية التي يتلمسها الإنسان الإفريقي. وبدلا من أن يسعى أوباما ـــــ نصف الإفريقي ــــ إلى إطفاء الحرائق التي أشعلتها سياساته الغبية في قارة أجداده، راحت إدارته تطارد الصين لتقليص نفوذها في القارة السمراء، على اعتبار أنها تمثل خطرا على مصالحها بسبب نجاح النموذج الصيني في اختراق هذه القارة. وقد رأينا كيف أن الأمريكيين بالتعاون مع حلف الناتو وحلفائهم في أوروبا نجحوا في طرد أكثر من 30 ألف عامل صيني من ليبيا، أثناء حربهم ضد نظام العقيد، في حين إنهم غير مكترثين بطرد عشرات الآلاف من الإيرانيين وأتباع حزب الله الإرهابي من سورية، على الرغم مما يشكله هؤلاء من خطورة على مجمل أوضاع الشرق الأوسط يفوق تأثيرها بعشرات المرات الخطر الصيني المزعوم في إفريقيا. والحقيقة التي لا تخفيها الإدارة الأوبامية، بل صرحت بها مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية هي التصدي للنفوذ الصيني المتنامي أينما وجد، وتحديدا في آسيا. ونجد التجليات العملية لهذه السياسة الأوبامية في العمل من الآن وحتى عام 2020 لتجميع 60 في المائة من إجمالي القوة البحرية الأمريكية ومشاة المارينز في مواجهة الصين في مياه بحر الصين والمحيط الباسيفيكي، وانتزاع تعهد واضح من الحكومة اليابانية ببناء جيش حديث مدعم بأحدث الأسلحة الأمريكية كي تكون رديفة للقوات الأمريكية في المنطقة، وتحرش الأمريكيين المتزايد بالسفن الصينية في مياه بحري جنوب وشرق الصين، حيث تتنازع بكين وطوكيو السيادة على مجموعة جزر سينكاكو/ ديايو الصخرية. هذا إضافة إلى أنظمة الصواريخ الباليستية اليابانية ـــ الأمريكية الموجودة في ''كيوتو'' اليابانية والموجهة تحديدا نحو الصين. وفيما يتعلق بالضغوط التي تتعرض لها طوكيو من قبل الأمريكيين فإنه من المهم الإشارة في هذا السياق إلى البيان المشترك الصادر أخيرا عن اجتماعي وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين بنظيريهما اليابانيين والذي عنون بـ ''نحو تحالف أقوى''، ووصف بأنه رؤية لتحالف أمريكي ــــ ياباني جديد قائم على التوازن والتأثير، حيث استعيضت فيه مفردات قديمة مثل ''دور'' و''إمكانيات'' بمفردات جديدة مثل ''الانخراط الإقليمي'' و''تحمل المسؤوليات والالتزامات''. ويرى المحلل الياباني ''يوكي تاتسومي'' أن طوكيو لئن كانت متحمسة ــــ كما كانت دوما ــــ للتحالف مع واشنطن، فإن هذا التحالف هو من أجل الأمن والاستقرار في محيطها، مع الضغط على الصين كي تكون أكثر انفتاحا وشفافية لجهة بناء قدراتها العسكرية، وليس من أجل القيام بمغامرات عسكرية خارجية، خصوصا أن دستورها يمنع ذلك. هذا الدستور الذي صاغه الأمريكيون أنفسهم بعد الحرب العالمية الثانية ويريدون اليوم تغييره لأن مصالحهم الخاصة تقتضي ذلك. على أن هذا ليس كل شيء. فقاعدة جوام التي استخدمها الأمريكيون بشراسة أثناء حربهم في فيتنام عادت اليوم إلى الواجهة كأكبر تجمع للقوات والأسلحة في المحيط الباسيفيكي منذ انتهاء حروب الهند الصينية، حيث يحتشد اليوم أكثر من تسعة آلاف من مشاة المارينز، وعشرات الطائرات العسكرية القاذفة العملاقة من طراز بي- 52. وطبقا لـ ''جون بيلجر'' في صحيفة ''آسيا تايمز'' فإن إدارة أوباما تريد من أستراليا أن تلعب أيضا دورا إلى جانبها ــــ شبيها بدورها أثناء حرب فيتنام ــــ فيما يتعلق بمحاصرة النفوذ والطموحات الصينية في آسيا. والدليل هو الحملة الإعلامية الضخمة التي قامت بها الحكومة الأسترالية أخيرا من أجل تبرير قيام واشنطن بزيادة حشودها العسكرية فوق الأراضي الأسترالية من مدينة بيرث غربا حتى دارون شمالا. والمعروف أن واشنطن تحتفظ بقاعدة عسكرية منيعة في ''باين كاب'' بالقرب من ''أليس سبرينج''، تستخدم لأغراض التجسس في المنطقة بأسرها. لكن الكاتب يستدرك ليقول إن وقوف الأستراليين مع الأمريكيين في مخططاتهم ضد الصين يشوبه الحذر والتردد. ففضلا عن مناهضة الرأي العام الأسترالي للانجرار كالتابع الذليل وراء الحماقات الأمريكية لما قد ينشأ عنه من حرب في المنطقة يصيبهم شررها أو لما قد ينشأ من ردود أفعال خطيرة تؤزم علاقاتهم بجيرانهم الآسيويين، فإن حكومة كانبرا لا تريد استعداء الصين التي تعتبر أكبر شريك تجاري لها، ناهيك عن أنها أنقذت أستراليا من تداعيات كسادها الاقتصادي في عام 2008. إذ لولا الصين لما استطاعت أستراليا أن تعيش طفرة في استخراج المعادن وأن تتلقى خزينتها مليار دولار أسبوعيا من تصدير تلك المعادن. وتقول بعض المصادر الصحفية إنه بسبب هذا الموقف الأسترالي المتردد، لجأت واشنطن إلى البريطانيين أصحاب السيادة الاسمية على أستراليا في نطاق الكومنولث البريطاني للضغط على كانبرا، من أجل التماهي مع سياسات أوباما في آسيا.
إنشرها