FINANCIAL TIMES

مطبخ رجل الكهف يجتاح المكاتب العصرية

مطبخ رجل الكهف يجتاح المكاتب العصرية

دان بنيامين صاحب مشاريع تعتبر في طليعة التكنولوجيا الأمريكية وصناعات وسائل الإعلام على الشبكة. عندما بدأ يعاني مجموعة من أعراض الحساسية التي لا تفسير لها، وارتفاع الكوليسترول في الدم ونقص سكر الدم، تجاهل نصيحة الطبيب له، ووضع عائلته على نظام غذائي، من المرجح اتباعه من قبل أسلافه البدائيين منذ 100 ألف سنة. كان بنيامين، مؤسس شركة 5by5، منتج للبث على الإنترنت، قد ذهب للتو إلى باليو، أي النظام الغذائي للعصر الحجري القديم – يحتوي على الكثير من اللحوم الخالية من الدهون الحيوانية، ولا يحتوي على الحبوب مثل الخبز والمعكرونة، أو منتجات الألبان – الذي اجتاح العاملين في وادي السليكون. لم يعد هناك من يطلب البيتزا أثناء الاجتماعات التي تستمر طوال الليل؛ وأصبح الطلب يتركز الآن على لحوم البقر التي تتغذى على العشب. ويقول: ''إن نظام باليو الغذائي له سمعة ممتازة بين العاملين في مجال التقنيات. اعتماده المبكر هو جزء منه، ولكنه يتفشى على الأرجح، مثل وباء الأكل الردئ بين التكنولوجيين الذين يعملون لساعات طويلة، ولديهم وظائف مستقرة ويتناولون بشكل رئيس البيتزا والوجبات السريعة''. ويضيف أن النظام الغذائي أكثر بكثير من مجرد مرحلة عابرة. وأضاف: ''أعرف أنه يُنظر إليه من قبل العديد من الناس باعتباره موضة النظام الغذائي، لكنه لم يكن موضة لآلاف السنين قبل أن نستثمر في الزراعة وتنشأ لدينا المشاكل الحديثة التي تواجهنا اليوم. وأعلم أنه بعد التحول إلى هذا النظام الغذائي، اختفت لدي المشاكل الطبية التي كنت أعانيها''. ويعزو بنيامين تحوله لهذا النظام الغذائي إلى مارك سيسون، عداء الماراثون السابق الذي بنى صناعة كاملة من الهوس حول باليو. يقول سيسون إنه كان أول من حوَّل حركة باليو إلى أعمال تجارية، بهدف تحقيق الربح على نطاق واسع. ويرأس شركة ماركز ديلي آبل، المدونة التي تحصل على 50 مليون مشاهدة للصفحة في الشهر، ودار نشر مزدهرة للكتب والملاحق. يقول الرجل النحيف غامق اللون الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، والذي يملك شركة أعمال تجارية خاصة، تدعى التغذية الأولية مقرها في ماليبو، كاليفورنيا، ولا تكشف عن الإيرادات: ''أنا أجلس على علامة تجارية بمليار دولار، إذا تم اتباع ذلك بصورة صحيحة. هذا محول النموذج الكبير''. عملية التوجه إلى نظام باليو الغذائي أصبحت شائعة جداً إلى درجة أن سيسون بدأ باستضافة مؤتمرات عطلة نهاية الأسبوع، ويتقاضى رسوماً مقدارها 849 دولاراً عن كل شخص لتعليم المنتسبين كيفية تناول الطعام، بشكل أفضل وممارسة الرياضة بشكل صحيح. هناك نسخة فاخرة بقيمة 2200 دولار للشخص الواحد لدورة تدريبية تستمر طوال عطلة نهاية الأسبوع. يقول جريج بارنيت، وهو مدير حسابات في ''سي إيه تكنولوجيز''، وهي شركة لبرمجيات الكمبيوتر، حضر أخيراً عرضاً للنسخة الفاخرة مع زوجته، وهي مندوبة مبيعات للأدوية: ''أنا في صناعة مرهقة جدا، تعمل بقياس المؤشرات. هذه الفسحة ساعدتني في الواقع على التعامل مع التوتر وتحسين المزاج''. فكَّر سيسون في أن الناس سوف يدفعون للحصول على معلومات معروفة أصلاً إذا تم تقديمها بطريقة منظمة وجذابة، ويقول: ''مع أني بنيت منصة مع مفهوم تقديم كل ما عندي من المعلومات مجاناً، إلا أنه يسود افتراض أن الناس لا يزالون يريدون أن يدفعوا للحصول على نسخة من تلك المعلومات التي تم تكثيفها أو تنظيمها، من خلال شكل قابل للقراءة''. وقد باعت شركته 500 ألف كتاب يتعلق بنظام باليو الغذائي. روب وولف رجل أعمال آخر اقتطع سوقاً متخصصة مربحة، وأصبح بعد سلسلة من القضايا الصحية الشخصية إخصائياً في التغذية وباحثاً للتمارين الرياضية تحت إدارة لورين كوردين، رائدة حمية باليو من جامعة كولورادو ستيت. يدير وولف ما يسميه شركة لتقييم المخاطر الطبية، التي يقول إنها قد تساعد البلديات في تقليل النفقات الطبية، باستخدام تقنيات حمية باليو. في دراسة تجريبية في رينو، نيفادا، على سبيل المثال، حددت شركة وولف رجال الإطفاء ومجندي الشرطة الذين كانوا في خطر كبير من الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. إذا كان هؤلاء الضباط سيعانون تلك الإصابات بينما يؤدون واجبهم، يمكن لذلك أن يكلف المدينة مبالغ تصل إلى 4.5 مليون. بعد أن وفر البرنامج التجريبي في رينو مبلغاً في حدود 22 مليون دولار في النفقات الطبية، عن طريق تقليل عدد النوبات القلبية والسكتات الدماغية التي يعانيها عمال البلديات المشاركون في الدراسة التجريبية، مقارنة بعمال الطوارئ الذين لم يكونوا يتبعون نظام الحمية، يقول وولف إن شركته حصلت على عقد لوضع قوة الشرطة بأكملها، وإدارة مكافحة الحرائق على نظام باليو. ويباشر حاليا الشيء نفسه لنخبة من مقاتلي القوات البحرية، في البحر والجو واليابسة. يقول وولف: ''بالنسبة لي، فإن هذا يعني النظر بمنظور علم النفس التطوري وتطبيقه على الطب. في الماضي، لم نكن نأكل أطعمة معينة، وكانت لدينا درجة عالية من التمارين، والتعرض لفترة مستقرة لأشعة الشمس، ودرجة عالية من اللقاء الاجتماعي''. على الرغم من أن هناك العديد من الاختلافات، فإن النظام الغذائي الأساسي يتضمن استبدال اللحوم الخالية من الدهون، والدهون النباتية والخضراوات بالحبوب غير الكاملة ومنتجات الألبان، والتي تم إدخالها مع الزراعة الحديثة قبل عشرة آلاف سنة. وإضافة إلى ذلك، غالباً ما يمارس متبعو نظام باليو التمارين الرياضية المجهِدة مثل رفع الأثقال مرة واحدة أو مرتين في الأسبوع، (ولكن يتخلون عن ممارسة رياضات تنشيط القلب كالركض)، ويحاولون الحصول على نصف ساعة من أشعة الشمس كل يوم، والنوم في غرفة مظلمة لمحاكاة الحياة قبل الكهرباء. نوقشت الفوائد المفترضة لحمية باليو لأول مرة في مقالة كتبها إس. بويد إيتون وميلفين كونر في مجلة نيو إنجلاند للطب في عام 1985. اعتقد المؤلفان أن البشر كانوا يواجهون سلسلة من المشاكل المتصلة بالصحة لم تكن معروفة سابقاً، والتي لم يكن التكيف الوراثي مستعداً لها. كتب المؤلفان: ''إن التطورات مثل الثورة الصناعية والأعمال التجارية الزراعية، وتقنيات التصنيع الغذائي الحديثة، قد حدثت متأخرة جداً، على نحو لم يجعل لها أي تأثير على التطور، على الإطلاق''. كانت نظرية باليو مثيرة للجدل منذ أن تم نشر البحث. وولف هو أول من يعترف بأن المجتمع الطبي التقليدي: ''لا يزال متشككاً تماماً'' حيال اتباع نظام غذائي عالٍ في الدهون المشبعة. لكنه يشير إلى دراسة أجرتها ستافان يندبرج في جامعة لوند في السويد، التي وجدت أن استجابة السكر في الدم لتناول الكربوهيدرات كانت أفضل بعد اتباع نظام باليو الغذائي، من حمية البحر الأبيض المتوسط التي تركز على الحبوب الكاملة والخضراوات والفواكه والأسماك. ومع ذلك، استمرت الانتقادات. أحد المتشككين الأكثر صخباً هي مارلين زوك، وهي أستاذة للتطور في جامعة مينيسوتا. في كتاب صدر في الفترة الأخيرة بعنوان Paleofantasy، (وهْم العصر الحجري)، أصرت على أن الجينات البشرية قد تطورت منذ إدخال الزراعة، ونتيجة لذلك قد لا تكون منتجات الألبان والحبوب غير الكاملة، بالقدر نفسه من اللعنة التي يدعيها أنصار باليو. وأضافت: ''بدلاً من شجب الحياة العصرية، لكونها غير مناسبة لجينات العصر الحجري التي لدينا، نحن بحاجة لمعرفة ما هي الأجزاء التي ترسلنا إلى مسافة بعيدة جداً عن منطقة التطور من التحمل، ولذلك نحن بحاجة إلى بيانات، وليس إلى إدانة شاملة لوضعنا''. بالنسبة إلى رجال الأعمال مثل سيسون، فإن الجدل الدائر يعمل على زيادة الإقبال على كتبه وغيرها من المعلومات، فحسب. إنه يأخذ تفسيراً ليبرالياً إلى حد لفكرة باليو، إذ أنه يعترف أن رجل العصر الحجري القديم لم تكن لديه المكملات الغذائية مثل مسحوق مصل اللبن، وهو مصنوع من حليب البقر، والذي يعد واحداً من المنتجات الأكثر مبيعاً لديه. ويقول: ''اخترت أفضل أجزاء من التكنولوجيا الحديثة وإنتاج الأغذية الحديثة، ودمجتها في نمط الحياة الذي يدرك أن لدينا بالفعل هذا المُدمج، في وصفة تريد أن تجعلنا أقوياء ورشيقين ونحيفين طوال حياتنا. أحياناً هناك أشياء نجد أنها يتردد صداها مع تلك الجينات التي لم تكن منذ 50 ألف سنة، ولكن لا تزال تعمل الآن. أنا أكسب رزقي باستخدام التكنولوجيا: ولن أذهب لأخيّم في ساحتي الخلفية، وأصطاد الحيوانات الأليفة الموجودة لدى جاري''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES