FINANCIAL TIMES

القيمة الاقتصادية للتمتع بقسط وافٍ من النوم

القيمة الاقتصادية للتمتع بقسط وافٍ من النوم

كان جاي ميدوز يعمل باحثاً في أحد مختبرات النوم في مستشفى شيرينج كروس ومستشفى رويال برومبتون في لندن، يمضي لياليه يراقب هؤلاء الذين يعانون اضطرابات النوم، محاولين إغلاق أعينهم. قبل ثماني سنوات قرر أنه لم يعد يطيق صبراً. وقال: ''تعبتُ من مشاهدة الناس نائمين. كنت أعمل بنظام الورديات. أعرف مدى سوء ذلك على صحتك''. ومع ذلك، فقد أقنعه عمله أن هناك سوقاً للعمل بين الناس اليائسين للحصول على علاج لمشاكل نومهم. الرجل الذي يبلغ من العمر 36 عاماً، ويصف نفسه بأنه: ''نائم طبيعي مع اضطرابات'' – لديه طفلان، عمراهما ثلاث سنوات وسنة – يعمل كمستشار نوم، وينظم ورشات عمل وجلسات استشارة فردية لمساعدة الناس في التغلب على الأرق. ميدوز جزء من مهنة متنامية تقدم المشورة عن النوم للأفراد والشركات. على حد تعبيره، فإن ساعات العمل الطويلة في العمل مع أسواق في مناطق زمنية وتكنولوجيات مختلفة، تجعل الناس: ''متعبين ومتوترين. عندما كان الرجل يتجول في الحقول مع محراثه، لم يكن يتفقد حسابه على فيسبوك وتويتر. فقد كان دماغه أهدأ بكثير. أما اليوم فأدمغتنا نشطة جداً، فلا نستطيع النوم''. تعويذته هي أن: ''الأشخاص الذين ينامون بشكل أفضل لا يعملون شيئاً ليتمكنوا من النوم. أما الذين يعانون الأرق فيفعلون الكثير''. ويقول إن زبائنه في نهاية اليوم يتمددون على السرير قائلين لأنفسهم: ''لقد ركضت نصف ماراثون، ولم أشرب الكافيين أو الكحول، وما زلت لا أستطيع النوم''. بالتالي نهجه هو تعليم الناس: ''التخلي عن نضال النوم الموجود داخل رؤوسهم''. تستثمر بعض الشركات، التي تشمل جوجل ومجموعة السلع الاستهلاكية ''بروكتر وجامبل'' في مجال النوم، من تقديم المحاضرات إلى تدريب مديري الموارد البشرية على كيفية تقديم الاستشارة للموظفين لتحسين عادات نومهم. هذه النصائح تشمل ترك الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة في جانب واحد والذهاب للنوم في أوقات منتظمة. ويقدم مستشارو النوم أيضاً نصيحة على الإضاءة المنظِمة لهرمون الميلاتونين، أو تقديم أفضل الجداول للسفر إلى الخارج. يقول ميدوز: ''بإمكان أصحاب العمل المساعدة في تنظيم الجداول بالنظر إلى الورديات، وجعل المديرين يدركون خطر ثقافة ساعات العمل الطويلة''. إن وعد النوم جذاب جداً لدرجة أن ميدوز يعمل أيضاً مع دوائر التسويق في شركات إستي لودر، وتوي، وطومسون، لدمج النوم في رسالة علاماتهم التجارية. تعمل ريبيكا روبنز، المؤلفة المشاركة لكتاب ''النوم للنجاح''، مع فندق نيويورك بنجامين كمستشارته الرسمية للنوم. ويقدم الفندق الفخم أيضاً قائمة وسائد للقيلولة، وتشمل أطعمة وضمانات للنوم. حاضرت روبنز، التي تنهي درجة الدكتوراه في بحوث النوم العلمية من جامعة كورنل، البنوك وشركات التكنولوجيا. وتقول إن الرئيس التنفيذي يبشّر بأهمية النوم وكيفية مساعدته على تغيير ثقافة الشركة، ذلك أن الذين يعملون في أسفل سلم الشركة هم الأكثر أهمية في هذا الخصوص، وأكثرهم تأثراً. وتضيف: ''بإمكان مديري الفرق مراقبة تعب موظفيهم. بإمكانهم تغيير التركيز بحيث تصبح الجودة في ساعات العمل، وليس عددها هو الأكثر أهمية''. تقدم نانسي روثستاين المشورة والمحاضرات عن صحة النوم لأصحاب العمل، وتعتقد أنه مع تحسن الاقتصاد، بدأت الشركات بالنظر إلى النوم كجزء من فوائدها. وتقول: ''تنظر الشركات للياقة البدنية والنظام الغذائي وتترك النوم. لكن كيفية ممارسة التمارين الرياضية بقدر لا يؤثر في النوم''. توافق روبنز قائلة: ''الفكرة السائدة هي أن النوم للكسالى. وبدلاً من ذلك يتم تشجيعنا على زيادة إنتاجيتنا من خلال الذهاب إلى النادي الرياضي. وفي الحقيقة أن معظمنا يحتاج إلى ساعة إضافية واحدة للنوم ليلاً''. يردد راسل سانا، المدير التنفيذي لقسم طب النوم في كلية الطب في جامعة هارفارد، هذا الرأي: ''لم يقتنع أصحاب العمل بعد بأن النوم مهم لأداء وقت الذورة. هناك تأثير لا يستهان به يكمن في أن الإدارة العليا في المنظمات، وفي معظم الأوقات، لا تقدر النوم باعتباره مفيدا للأداء. النوم للفاشلين، هو القاعدة الثقافية السائدة''. ويضيف: ''يعتبر النوم سلوكاً خاصاً ... ليس شيئاً يسخر منه صاحب العمل. مع ذلك، للنوم السيئ عواقب عامة. والعديد منها ينتهي في مكان العمل. الحرمان من النوم منتشر بكثرة، بحيث إنه من وجهة نظر الصحة العامة، بات بمثابة التدخين الجديد''. وفقاً للباحثين في النوم، فإن النوم السيئ لا يقلل الإنتاجية فحسب، بل يفضي كذلك إلى اتخاذ قرارات مندفعة وسيئة. تم تحديد الحرمان من النوم كسبب في 7.8 في المائة من كل حوادث الدرجة الأولى لسلاح الجو الأمريكي، أي التي تكلف مليون دولار أو أكثر. ووفقاً لدراسة أعدتها كلية الطب في جامعة هارفارد، يكلف العمال الأمريكيون المحرومون من النوم أصحاب أعمالهم 63 مليار دولار من هدر الإنتاجية. وتوصلت دراسة تم نشرها في مجلة أورجانايزيشنال داينامك في عام 2011، أن: ''المصابين بالنعاس من المرجح أن ميلهم إلى الخلافات ... أو الانخراط في التسكع الاجتماعي''. هناك روابط قوية بين نقص النوم المزمن والسمنة ومرض السكري والاكتئاب. يخطط قسم طب النوم في كلية الطب في جامعة هارفارد لإطلاق حملة لمعالجة هذا الموضوع. تهدف هذه الحملة، التي سُميت ''إعادة شحن أمريكا'' إلى إشراك الشركات العالمية والمستهلكين، على سبيل المثال، عن طريق العمل مع ''وولمارت''، بحيث توفر للمتسوقين فرصة تقييم صحة نومهم وتلقي التوجيه. مع ذلك، لا تكتمل نقاشات مستشاري النوم دون الذين يساعدون الآباء على التعامل مع الرضع المستيقظين. أنشأت ''لويز موكسون'' وكالة ''كوكون'' في لندن، لتوفير مستشارين للآباء اليائسين لنوم أبنائهم الرُضّع في الليل. وهي تعتقد أن التغيير الاجتماعي يعني أن الآباء يريدون شراء المساعدة التي كانوا يحصلون عليها سابقاً من العائلة. وتقول: ''في جيل آبائنا عادة ما تنتقل جدة الطفل إلى المنزل للمساعدة وتقديم النصيحة. الآن، يبدو أن ذلك لم يعد دارجاً''. علاوة على ذلك، هناك العديد من النصائح على الإنترنت والكتب بحيث: ''أصبح من الصعب معرفة ما نصدقه''. كيم ويست وديبرا بيدريك، مؤسِستا الرابطة الدولية لمستشاري نوم الأطفال، أضافتا عنصراً آخر وهو: ''الوعي المتنامي لتأثيرات فقدان النوم المزمن ... وعلاقته بالبدانة في مرحلة الطفولة، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ونقص التعلم للأطفال في سن الدراسة''. تصر موكسون على أن مستشار النوم الجيد يجب أن يكون متفهماً لحاجات الطفل والآباء. وتقول: ''الكثير من الآباء يجدون تقنية ''تركه يبكي'' مزعجة جداً. مع ذلك، سوف يفهم مستشار النوم الجيد احتياجاتك ومتطلباتك، وبالتالي اختيار الوسيلة التي تناسبك''. لا يعمل ميدوز مع الأطفال، ولكنه يقول إن فهم الزبون هو المفتاح. ويضيف: ''النوم شيء فردي، فالنوم لمدة سبع إلى ثماني ساعات هو عادة، العادة الأكثر انتشاراً، كوقت محدد يجب أن ننامه. في الواقع أن النطاق هو من أربع إلى عشر ساعات، فالبعض يستيقظون في الساعة الخامسة صباحاً، ويركضون حول المتنزه، ثم يقرأون الصحف، ويصلون المكتب بحلول الساعة 7:30 صباحاً، هؤلاء مقدر لهم أن يكونوا هكذا''.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES