Author

الأزمة الأمريكية.. ما الجديد بالنسبة لنا؟ (2 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
استكمالاً لما بدأتهُ في مقال الإثنين الماضي حول الأثر المحتمل للأزمة الأمريكية الأخيرة، والذي تبيّن من خلاله قدِم واستمرار حالة تأثّر الاقتصاد السعودي بأية متغيرات قد تطرأ على الاقتصاد الأمريكي، إيجاباً أو سلباً، وأنّ المركز المتقدم لاقتصادنا في سلّم الاقتصاد العالمي؛ على مستوى السوق النفطية العالمية بصفته الأثقل والأكبر، أو على مستوى التبادل التجاري، أو على مستوى تدفقات الاستثمار العابرة للحدود، يرشّحه كاقتصادٍ يعتبر جزءاً مهمّا ورئيساً من الاقتصاد العالمي، يؤثر ويتأثر بصورةٍ متبادلة، فلا يمكن منع أو حتى تجاهل أية مؤثرات متبادلة بينه وبين شركائه التجاريين والماليين، وبالتالي تنتفي أهمية مجرّد البحث عن إجابة لسؤال مقطعي حول أثر الأزمة الأمريكية الأخيرة، وأنّ البحث يجب أن يأخذ في عين الاعتبار مساراً أطول حول آثار علاقةً طويلة بين الاقتصادين، يبدأ منذ عدة عقود، مروراً بالأزمة الراهنة، ويذهب متجاوزاً ما بعد تاريخ 17 تشرين الأول (أكتوبر) القادم، ليخرج بما يمكن وضعه أرضاً صلبة للتقييم واختبار الجدوى والآثار العميقة لعلاقة الريال بالدولار، والاقتصاد السعودي بالاقتصاد الأمريكي، والنظر في الخيارات المستقبلية الأخرى المتاحة أمامنا، قياساً على التحوّلات العميقة التي يعبرها الاقتصاد العالمي، وأن في الآفاق الزمنية القريبة ما يوحي بأفولِ قوى اقتصادية، وقدوم قوى أخرى. يترقّب الاقتصاد العالمي بعينٍ بالغة الحذر تاريخ 17 تشرين الأول (أكتوبر) القادم، وما ستسفر عنه نتائج النقاشات الحزبية الأمريكية حول رفْع سقف الدين من عدمه، وترتفع درجة الحذر لدى الدول الأكثر دائنية للولايات المتحدة ''الصين، اليابان، الدول المصدرة للنفط، وأكبر اقتصادات منطقة اليورو''، كونها الأكثر تأثّراً بما ستنتهي إليه المفاوضات الأمريكية الداخلية. توجد ثلاثة احتمالات رئيسة لذلك التاريخ وما سيليه: الاحتمال الأول: أن تتجاوز الولايات المتحدة هذا التاريخ بالاتفاق على رفْع سقف الدين، ثم في مراحل تالية يشهد الاقتصاد الأمريكي تعافياً اقتصادياً، ونمواً قوياً يتجاوز ضعف المتحقق حتى الآن، أي أكبر من 3.5 في المائة على أقل تقدير ''بلغ 1.8 في المائة 2012، ويُقدّر أن يبلغ 2.5 في المائة للعام الجاري''، تتمكّن معه من رفع متحصّلات الضرائب، وترتفع من ثم قدرتها على سداد جزء من ديونها وفوائدها المستحقة بالاعتماد جزئياً على تلك المتحصّلات، وليس كما قائمٌ الآن. يظل هذا الاحتمال وفق المشاهد لحالة الاقتصاد العالمي، وحالة الإنهاك التي لم يخرج منها بعد عقب الأزمة المالية العالمية 2008، أقول يظل ضعيفاً جداً. الاحتمال الثاني: أن يتم الاتفاق على رفْع سقف الدين، لكن يستمر الأداء المتدني للاقتصاد الأمريكي يراوح عند مستويات نموه الراهنة 2.5 في المائة خلال 2013، ويتوقع صندوق النقد الدولي بلوغه 3.1 في المائة بنهاية 2014، مع التوقعات بأن يتعرّض للخفض قياساً على زيادة التحديات كما هو مشاهد الآن. ووفقاً لبعض الاشتراطات التي قد يفوز بها الحزب الجمهوري أثناء المفاوضات الجارية، أن تتمكّن الولايات المتحدة من إعادة حجم العجز السنوي لمن دون سقف التريليون دولار أمريكي بعد أربع سنواتٍ سابقة، تخطاها بالغاً أعلى مستوياته التاريخية في 2009 عند 1.8 تريليون دولار أمريكي. يظل هذا الاحتمال الأكثر ترشيحاً للتحقق، ولكنّه يحمل في تخومه المستقبلية العديد من التحديات الجسيمة على الاقتصاد الأمريكي، والفصول القادمة من صدامات الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. يحمل هذا الاحتمال في طيّاته مزيداً من تراجع قيمة الدولار الأمريكي، ونفساً قصيراً من الانتعاش السريع سيغطي سماء الأسواق المالية حول العالم. الاحتمال الثالث: ألا يتم التوصّل إلى اتفاق حول رفع سقف الدين، وهنا يمكنك القول إن باباً واسعاً لدخول الاقتصاد العالمي في أزمة اقتصادية عالمية جديدة قد انفتح! ولا أحد يملك صورةٍ دقيقة لما سينتج عنها من تداعياتٍ بالغة التدمير على مستوى الاقتصادات والأسواق. لكن هذا الاحتمال يظل الأضعف حتى الآن بين الاحتمالات الثلاثة الموضحة أعلاه، ولا شك أن الجميع يتمنّى عدم حدوثه، غير أنّه احتمالٌ وارد إذا لم يتم التوصّل لأي اتفاقٍ أمريكي قبل تاريخ 17 تشرين الأول (أكتوبر) القريب. تحقق الاحتمال الثاني، أو حتى الأول، أرى أنّه يحمل فرصاً أخيرة للاقتصادات الخليجية، والسعودي تحديداً، للتوجّه والإسراع نحو عمل عميق على مستوى تحديث وتطوير السياسات الاقتصادية، والاتجاه بها نحو نسيجٍ منها يمنحها استقلالية أكبر عن الاقتصاد الأمريكي، وأنْ تعجّل البلاد من سعيها نحو تحويل الجزء الأكبر من الاحتياطيات المالية الهائلة ''يُقدّر تجاوزها لـ 4.0 تريليون ريال بنهاية العام الجاري وفقاً لوضع الاستثمار الدولي للسعودية''. إلى أصولٍ محلية منتجة، تعزز بصورةٍ أكبر فرص الاقتصاد الوطني على مستوى خلق المزيد من المشروعات الإنتاجية بمشاركة القطاع الخاص المحلي، وإمكانية مشاركة الاستثمار الأجنبي بالتركيز على العامل التقني المتقدّم الذي تمتاز به، وهذا بدوره سيؤدي دون أدنى شك إلى خلق مئات الآلاف من فرص العمل الكريمة سنوياً أمام المواطنين والمواطنات، كما أنّه في المجمل سيكون خياراً استراتيجياً لا يعادل أهميته على جميع المستويات أي خيارٍ آخر! وسيكون الخيار الأدنى مخاطرة من أيّ خيارٍ آخر، وهو ما يتفق تماماً مع الخطة الاستراتيجية للاقتصاد السعودي، كل هذا أراه فرصة قد لا تتكرر مستقبلاً، والتي لن ينفع أبداً الندم عليها إنْ انعطف الاقتصاد العالمي نحو منحنياتٍ وأزماتٍ لا يقارن بها أي أزمةٍ اقتصادية سابقة. الفكرة الأخيرة.. تستمد فرصة اليوم قيمتها الأهم من ذكاء قرار من يملكها، وليس فقط من قيمتها المادية! فقد تفقد كامل قيمتها المادية بأي خطأ أو تأخير في اتخاذ القرار المناسب والأفضل.
إنشرها