Author

الأزمة الأمريكية .. ما الجديد بالنسبة لنا؟ (1 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
قد لا يعني القارئ الكريم أسباب الاختلاف المستمر بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة على كل ما يتعلّق بديَنها العام، بقدر ما أنّ ما يعنيه بالدرجة الأولى هو التأثير الذي سينعكس به على اقتصادنا الوطني، سواءً توصّل الحزبان اللدودان إلى اتفاق أم لم يتوصّلا، ويستمر طلب معرفة حتى ما إذا تمّتْ الموافقة على رفْع سقف الديَن الأمريكي كما يتوقّع أغلب المراقبين من داخل أمريكا نفسها، كل هذا هو المطلوب تحت مظلة الأسئلة الحائرة لدى عموم المجتمع محلياً، وعلى مستوى دول الخليج العربي كونها تتشارك مع السعودية ذات الأمر، وكل ذلك ناتجٌ عن العلم بمدى الارتباط الوثيق بين اقتصاداتها والاقتصاد الأمريكي، كون الأخير يحتل المرتبة الأولى لدى تلك الدول كأكبر مستودعٍ لاحتياطيات وثروات مجموع الدول الست في الخليج العربي، سواءً على هيئة استثمارات في أذونات الخزانة والسندات الأمريكية أو ودائع أو أسهم. دعْ عنك الارتباط الثابت بين عملاتها مع الدولار الأمريكي - أخذاً بالاعتبار حالة الدينار الكويتي- وتأثير التذبذبات المستمرة في سعره في أسواق الصرف. ازداد هذا الاهتمام من لدن المجتمع بصورةٍ أكبر مع تفاقم حالة النزاع حول الديَن الأمريكي، التي تزايدت بدورها من بعد انفجار الأزمة المالية العالمية في الربع الأخير من 2008م، وأضفى عليها مزيداً من القلق والحيرة، حالة "قصر نظر" منظومة الإدارة الأمريكية، التي حوّلت واحداً من أخطر مؤرقات الاقتصاد العالمي إلى ورقةٍ تتلاعب بها لأجل تحقيق مكاسب حزبية. كل هذا لا يعني المجتمع، بقدر ما تعنيه آثار كل ما يجري وما سيجري مستقبلاً في الاقتصاد الأمريكي، وانعكاساته إن سلباً أو إيجاباً على حياتهم ومستقبلهم في منطقة الخليج عموماً، وفي السعودية على وجه الخصوص. لكن هل الاقتصاد السعودي لن يتأثر بأي تداعيات قد تكون وخيمة على الاقتصاد العالمي عموماً، والأمريكي على وجه الخصوص؟ خاصةً أنّ تقديرات الأصول السعودية في الخارج حتى الربع الثالث من العام الجاري تناهز أربعة تريليونات ريال (استثمارات مباشرة، وفي الحافظة الاستثمارية، وأصول احتياطية، واستثمارات أخرى)، أغلبها يتخذ الولايات المتحدة مستودعاً لها! قبل الخوض فيما قد ينعكس على الاقتصاد السعودي، يجب التأكيد على المبدأ التالي: أنّ الاقتصاد السعودي جزءٌ لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ويحتل موقعاً مهمّاً جداً، فهو (1) الاقتصاد الأكبر تصديراً للنفط، وأحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم. (2) أنّه أحد أكبر الاقتصادات المصدّرة للثروات في العالم، نتيجة الوفورات المالية الهائلة وغير المسبوقة التي تحققت لها خلال السنوات العشر الأخيرة (نحو 4 تريليونات ريال). (3) أنّه أحد أكبر عشرة اقتصادات تقوم بالاستيراد من الخارج. (4) تعني الفقرات السابقة، أنّه يحتل موقعاً متقدمّا في سلّم التجارة العالمية كأكبر مصدرٍ للنفط والغاز والثروات ومن أكبر المستوردين للمنتجات والخدمات في الخارج. (5) أنّه يحتل المرتبة الثانية عالمياً في وجود العمالة الوافدة، وثاني اقتصاد في العالم على مستوى قيمة الحوالات للخارج. كل ما تقدّم يشير إلى أنّ الاقتصاد الوطني واقعٌ تحت أية تطورات أو تغييرات تجري على سطح الاقتصاد العالمي، وأن هذا التأثير عامل مستمر وغير منقطع، وأنّه ليس وليد اللحظة التي تتفجر فيها الأسئلة حول "ما علاقة ما يجري في الخارج بنا، وما انعكاسه علينا"، فبلادنا تخضع إيجاباً وسلباً لأية تداعيات قد تطرأ على مستوى الاقتصاد العالمي، ويزداد التأثّر بصورةٍ أكبر مع البلدان التي ترتفع درجات الارتباط الاقتصادي والمالي والتجاري فيما بينها وبين الاقتصاد السعودي. تحت هذا الجانب، فيما يتعلّق بالاقتصاد الأمريكي؛ جاء أداؤه الاقتصادي طوال الثلاثة العقود الماضية محمّلاً بالعديد من الأزمات، التي انعكست على نشاطه طوال تلك الفترة، ألقتْ بظلالها القاتمة على سوق العمل، والمالية العامّة، والميزان التجاري، دفعت بها كما يرى العالم اليوم إلى وصولها لعنق الزجاجة! دين عام مرتفع، أزمة مالية عالمية لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ أكثر من 80 عاماً، تخفيضٌ في تصنيفها الائتماني، ارتفاعٌ في معدلات البطالة والفقر لدى المجتمع الأمريكي، ارتفاعٌ في مديونية المواطن الأمريكي (يصنّف اليوم كأحد أكثر الأفراد مديونية في العالم). باختصارٍ شديد، أمريكا اليوم لم تعد أمريكا قبل ثلاثة عقود! باعتراف الداخل الأمريكي، وحالة السخط العارمة التي أصبحتْ أمراً معتاداً عليه عبر مختلف وسائل الإعلام الأمريكية، ولعل ما نشهده من تجاذبات حادة بين أكبر حزبين في الولايات المتحدة، ليس إلا عنواناً رئيساً لحالة الصراع الداخلي الذي تعاني منه، بكل ما تحمل تفاصيله من مؤشراتٍ ناتجة عن عدم استقرارها اقتصادياً ومالياً ... إلخ. نتيجة لذلك، أظهر الدولار الأمريكي انكماشاً في قيمته الحقيقية طوال تلك العقود، انعكس بالتالي على العملات الخليجية ومنها الريال السعودي، ولعل مقارنةً بين قيمة العملتين خلال 30 عاماً مضتْ، تكشف لك عن فاجعة لم ولن تخطر على بالك! هذا بدوره انعكس سلباً على تآكل القوة الشرائية للريال السعودي "وهو ما يهمنا هنا" وكبّد المستهلك الفرد الكثير من التكاليف المعيشية إلى مستوياتٍ بالغة الصعوبة. تذكّر أن هذا يحدث في اقتصادٍ يعتمد بصورةٍ كبيرة جداً على استيراد أغلب الخدمات والمنتجات من خارج الحدود، وهو ما يضيف أعباءً إضافية على كاهل المستهلك، في الوقت ذاته لم تتحقق فائدةً يمكن ذكرها في جانب صادراته؛ كون 92 في المائة منها صادرات نفطية! وأن سياساته الاقتصادية لم يطرأ عليها أي تغييرٍ يُذكر، فهي منذ بداية السبعينيات الميلادية، هي الأهداف والبرامج والصياغة ذاتها حينما انحدر النفط تحت عشرة دولارات للبرميل، وهي ذاتها حينما تجاوز الـ 120 دولارا للبرميل! حالة المرض والهرم - إنْ صح التعبير- التي اعترتْ الاقتصاد الأمريكي، أصابت اقتصادنا بالعدوى طوال تلك العقود الطويلة، وما يعانيه اقتصادنا من حالات تراجع مستويات الدخل الحقيقي، وارتفاع البطالة والاستقدام في الوقت ذاته، واعتماده الكبير على النفط دون وجود روافد متجددة ومتنوعة للإنتاج وتطوير الخدمات، كل تلك العلل ليست إلا جزءا من عدوى أصابت اقتصادنا، زاد من وقعها؛ أن المخطط الاقتصادي، لم يحسن انتهاز الفرص السابقة حينما كانت مواتية، ولم يحسن في الوقت ذاته اتخاذ ما يلزم للتخفيف من أعراض تلك الأمراض. وللحديث بقية..
إنشرها