Author

استراتيجية دول الخليج للتحكم في التكلفة العلاجية

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
تحدثت في مقال سابق عن أن بعض خصائص دول الخليج العربي أثرت بصورة مباشرة في آليات تمويلها لخدماتها الصحية. فمثلا الارتفاع الهائل للعمالة غير الوطنية من مجموع عدد السكان دفع دول الخليج لأن تكون لديها استراتيجية تلزم أصحاب الأعمال بدفع التكلفة العلاجية لموظفيهم غير المواطنين، وإن كانت آليات تنفيذ هذه الاستراتيجية قد تختلف من دولة لأخرى. فمثلا ألزمت وزارة الصحة الإماراتية غير المواطنين بدفع اشتراك سنوي نظير استخدامهم الخدمات الصحية، ودفع مبلغ مالي آخر نظير تلقيهم الوصفة العلاجية أو عمل الاختبارات التشخيصية اللازمة كالأشعة مثلا. فإمارة أبو ظبي فرضت أخيرا على كل أرباب الأعمال التأمين الصحي على العاملين لديهم وعائلاتهم وفق ثلاثة برامج للتأمين الصحي. البرنامج الأول خاص بالتأمين الصحي على المواطنين Thiqa، البرنامج الثاني برنامج التأمين الصحي على أصحاب المهارات العالية Enhanced، البرنامج الثالث برنامج التأمين الصحي الخاص بأصحاب المهن والمهارات المحدودة Basic. دراسة حديثة حول هذه الخطط التأمينية وجدت أن هناك اختلافا في استخدام الخدمات الصحية بين تلك البرامج التأمينية. فبرامج التأمين الخاص بالمواطنين Thiqa أكثر استخداما للخدمات الصحية ممَن لديهم برامج تأمين صحي Enhanced أو Basic. هذه الدراسة لم تشرح الأسباب الحقيقية لهذا الاختلاف ومدى تأثير هذا الاختلاف في العدالة في حصول الرعاية الصحية. هناك عديد من الأسباب التي يمكن أن تشرح هذا الاختلاف لكن الدراسة لم توضحها. فمثلا قد يكون فارق العمر بين المواطنين والعاملين من ذوي المهارات المحدودة سببا لهذا الاختلاف، أو بسبب الاختلاف الثقافي عند طلب الخدمات الصحية. بينما تبنت كل من الكويت والبحرين سياسة المشاركة في التكلفة العلاجية بين رب العمل والعامل غير المواطن من أجل التحكم في الاستخدام المجاني للخدمات الصحية من قبل غير المواطنين. فالعاملون غير المواطنين يدفعون مبالغ محدودة لكل زيارة لمراكز الرعاية الأولية أو حالات الولادة أو الحالات الطبية الأخرى غير الطارئة. الكويت، حسب التقارير المختلفة بصدد إعادة هيكلة نظامها الصحي وتبني تطبيق التأمين الصحي. هذا التوجه سيؤثر حتما في كيفية حصول المواطنين والمقيمين على الرعاية الصحية التي يستحقونها. أما دولة عمان، فالنظام الصحي يفرض على العاملين في القطاع الخاص أن يكونوا مغطيين صحيا من قبل شركاتهم. كما أن عمان أيضا أشارت في خطتها الاستراتيجية إلى استخدام التأمين الصحي كوسيلة لتقليل التكلفة العلاجية. بعض الباحثين أشاروا إلى بعض الخيارات الممكن تطبيقها لتمويل الخدمات الصحية في عمان، لكن لم تحدد تلك الدراسات آلية محددة ومناسبة للتطبيق. قطر ذكرت في خطتها الاستراتيجية أنها بصدد السعي لتغيير نظام اعتماداتها المالية منlam sum إلى تبني نظام مالي يعتمد على الأداء performance budget، وإنشاء محاسبة مالية من أجل تحديد التكلفة العلاجية الحقيقية. وذكرت أيضا في خطتها الاستراتيجية أنها ستستفيد من استراتيجيات الدول المجاورة قبل أن تعتمد نظاما للتأمين الصحي. لكن قبل بضعة أسابيع أعلن عن تبنيها إحدى الصيغ التأمينية. قد تكون المملكة أول دول الخليج العربي التي طبقت التأمين الصحي على كل العاملين في القطاع الخاص، وفق تنظيم وضعت له أمانة مجلس الضمان الصحي من أجل الإشراف عليه. وصدر بذلك أمر ملكي كريم عام 1999. وتنص مادة الأولى على أن هدف النظام هو توفير الرعاية الصحية وتنظيمها لجميع المقيمين غير السعوديين في المملكة. لاحقا، صدرت لائحة تنفيذية لنظام الضمان الصحي التعاوني. بناء على ما سبق، يتضح جليا أن دول الخليج العربي لديها استراتيجية موحدة في أن يتكفل أرباب الأعمال بتكلفة الرعاية الصحية لغير المواطنين، وإن كانت الطريقة المستخدمة لتحقيق هذا الهدف تختلف من دولة لأخرى. كما أن دول الخليج تبحث عن إيجاد أنظمة تساعدها على توفير الرعاية الصحية للمقيمين فيها، تضمن تحمل رب العمل التكلفة العلاجية للعاملين لديه. وللحديث بقية.
إنشرها